عيون الاثر (صفحة 438)

وقد روى الزهري أن الحرث بن عوف رجع ببني مُرَّةَ فَلَمْ يَشْهَدِ الْخَنْدَقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ روت بنو مرة، والأول أثبت أنهم قد شهدوا الخندق مع الحرث بْنِ عَوْفٍ، فَكَانَ جَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَافُوا الْخَنْدَقَ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنَ الْقَبِيلَةِ عَشَرَةَ آلافٍ وَهُمُ الأَحْزَابُ وَكَانُوا ثَلاثَةَ عَسَاكِرَ وَعِنَاجُ الأَمْرِ [1] إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوِّهِمْ، وَشَاوَرَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ بِالْخَنْدَقِ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَسْكَرَ بِهِمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع [وجعل سلعا خلف ظهره] [2] وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةَ آلافٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى المدينة عبد الله ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ خَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ لِيُنَشِّطَ النَّاسَ [3] وَكَمُلَ فِي سِتَّةِ أيام. انتهى ما نقله ابن سعد، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: حَفَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْخَنْدَقِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَقِيلَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ آيَاتٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.

مِنْهَا: أَنَّ جَابِرًا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ [4] فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ [5] . وَرُوِيَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَعَا بِمَاءٍ فَتَفَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمَّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تلك الكدية، فيقول من حضرها: فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْهَالَتْ حَتَّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ، مَا ترد فأسا ولا مسحاة.

ومنها:

خبر الحنفية مِنَ التَّمْر الَّذِي جَاءَتْ بِهِ ابْنَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ لأَبِيهَا وَخَالِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْن رواحة ليتغديا بِهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاتِيهِ» فَصَبَّتْهُ فِي كَفَّيْ رَسُول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما ملأ هما، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: «اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ» فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015