عيون الاثر (صفحة 215)

لا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ ظاهر الوضاءة متبلج الوجه من أَشْفَارِهِ وَطَفٌ [1] ، وَفِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ [2] ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ [3] ، غُصْنٌ بَيْنَ الْغُصْنَيْنِ، لا تَشْنَأُهُ مِنْ طُولٍ، وَلا تْقَتَحِمُهُ مِنْ قِصَرٍ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ [4] ، وَلَمْ تُزْرِهِ صَعْلَةٌ [5] كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْبَهَاءُ، وَإِذَا نَطَقَ فَعَلَيْهِ وَقَارٌ، لَهُ كَلامٌ كَخَرَّزَاتِ النَّظْمِ، أَزْيَنُ أَصْحَابِهِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، أَصْحَابُهُ يَحُفُّونَ بِهِ، إذا أمر ابتدروا أمره، وإذا نهى ايتفقوا [6] عِنْدَ نِهَايَتِهِ، قَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ صِفَةُ صَاحِبِ قُرَيْشٍ، وَلَوْ رَأَيْتُهُ لاتَّبَعْتُهُ وَلأَجْتَهِدَنَّ أَنْ أَفْعَلَ. قال فلم يعلموا بمكة أن توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى سَمِعُوا هَاتِفًا عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ يَقُولُ:

جَزَى اللَّهُ خَيْرًا وَالْجَزَاءُ بِكَفِّهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ [7]

هُمَا رَحَلا بِالْحَقِّ وَانْتَزَلا بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ [8]

فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ محمد

وأكسى لبرد الحال قبل ابتداله ... وأعطى برأس السابح المنجرد [9]

ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015