عيار الشعر (صفحة 29)

وَقد فَازَ قومُ بخلال شُهروا بهَا من الخَيْر والشَّر، وصَارُوا أعلاماً فِيهَا، فَرُبما شُبَّه بهم فيكُونُونَ فِي الْمعَانِي الَّتِي احْتَووا عَلَيْهَا، وذُكِرُوا بشُهْرتها نُجُوماً يُقْتَدى بهم، وأعْلاماً يُشَار إِلَيْهِم؛ كالسَّموأل فِي الْوَفَاء، وحَاتمِ فِي السَّخاءِ والأحْنَفِ فِي الحِلْم، وسَحْبانَ فِي البَلاغة، وقُسًّ فِي الخَطَابة، ولقمانَ فِي الْحِكْمَة، فَهُم فِي التَّشْبِيه يُجْرَونَ مُجْرَى مَا قَدَّمنا ذِكْرَهُ من البَحْر والحَيَا، وَالشَّمْس وَالْقَمَر، وَالسيف، وَيكون التَّشْبِيه بهم مَدْحاً كالتشبيه بهَا.

وَكَذَلِكَ أضْدَادُ هَؤُلَاءِ؛ قومُ يُذَمُّون فِيهَا شُهروا بِهِ يُشَبَّهُ بهم فِي حَال الذَّم كَمَا يُشَبَّه بهؤلاء فِي حَال المَدْح كبَاقِلٍ فِي العِي، وَهَبَنَّقَةَ فِي الحُمُق، والكُسَعِيَّ فِي الندامة، والمَنْزوف ضَرطاً فِي الْجُبْن.

فالشَّاعِرُ الحاذِقُ يَمْزِجُ بَين هَذِه المَعَاني فِي التَّشْبِيهاتِ لِتَكُثُرَ شواهِدُهَا، ويتأكَّدَ حُسْنُها، ويَتَوَقَّى الِاخْتِصَار على ذكر الْمعَانِي الَّتِي يُغِيرُ عَلَيْهَا دونَ الإبدَاعِ فيهَا، والتَّلْطيِفِ لَهَا لئلاَّ يكونَ كالشَّيءِ المُعَادِ المَمْلُول.

فَمَا كانَ من التَّشُبيه صَادقاً قلتَ فِي وَصْفِهِ: كأنَّه، أَو قلتَ: كَكَذَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015