عيار الشعر (صفحة 200)

أَو تُضَمَّنَ أَشْياءَ تُوجِبُهَا أحْوالُ الزَّمَانِ على اختلافِهِ، وحَوادِثِهِ على تَصَرُّفِهَا، فيكونُ فِيهَا غَرَائبُ مُسْتَحْسَنَةٌ، وعَجَائبُ بَديعَةٌ مُسْتَطْرَفَةٌ من صِفَاتٍ وحِكَاياتٍ ومُخَاطَباتٍ فِي كُلٍّ فَنٍّ توجِبُهُ الحَالُ الَّتِي يُنْشَأ قَوْلُ الشِّعر من أجْلِهَا؛ فَتُدْفَعُ بِهِ العَظَائمُ، وَتُسَلُّ بِهِ السَّخَائمُ، وتُخْلَبُ بِهِ العُقُولُ، وتُسْحَرُ بِهِ الألْبَابُ لما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ من دَقِيقِ اللَّفظ ولَطِيفِ المَعْنَى.

وإذْ قَدَ قَالَتِ الحُكَمَاءُ أنَّ للكَلاَمِ جَسَداً ورُوحاً؛ فَجسَدُهُ النُّطْقُ ورُوحُهُ مَعْنَاه، فَوَاجِبٌ على صَانِعِ الشِّعرِ أنْ يَصنْعَهُ صَنْعَةً مُتْقَنَةً لَطِيفَةً مَقْبُولَةً مُسْتَحْسَنةً مُجْتَلِبَةً لمحبَّةِ السَّامِع لَهُ والنَّاظِر بِعَقْلِهِ إِلَيْهِ، مُسْتَدْعِيَة لعِشْقِ المُتَأمِّل فِي محاسِنِه والمُتَفَرِّسِ فِي بدائعه، فَيُحْسِنُهُ جِسْماً ويُحَقِّقُهُ رُوحاً؛ أَي: يُتْقِنُهُ لَفْظاً ويُبْدِعُهُ مَعْنَى، ويَجْتَنِبُ إخراجَهُ على ضِدِّ هَذِه الصِّفة فَيَكْسوهَا قُبْحاً ويُبْرِزُهُ مَسْخاً؛ بل يُسَوِّي أعْضَاءهُ وزْناً، ويُعَدِّلُ أجزَاءه تأليفاً، ويُحَسِّنُ صُورَتَهُ إصَابةً، ويُكَثِّرُ رَوْنَقَهُ اختصاراً، ويُكَرِّمُ عُنْصُرَهُ صِدقاً، ويُفيدهُ القَبُول رقَّةً، ويُحَصِّنُهُ جَزالةً، ويُدْنيه سَلاسَةً، وينأى بِهِ إعجازاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015