بِالسَّعْيِ فِي الْآيَةِ الْقَصْدُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى (وذروا البيع) أَيِ اشْتَغِلُوا بِأَمْرِ الْمَعَادِ وَاتْرُكُوا أَمْرَ الْمَعَاشِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأْتُوهَا تَمْشُونَ) أَيْ بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ (وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ) ضَبَطَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِنَصْبِ السَّكِينَةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالسَّكِينَةِ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِكُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا
قُلْتُ أَوِ التَّقْدِيرُ إِذَا فَعَلْتُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ أَيْ فَعَلْتُمُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَتَرْكِ الْإِسْرَاعِ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَقِيلَ لَا تُدْرَكُ الْجَمَاعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لِلْحَدِيثِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ وَأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْأَوْقَاتِ وأن الْجُمُعَةِ حَدِيثًا خَاصًّا بِهَا انْتَهَى
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَوْلُهُ فَأَتِمُّوا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمَرْءُ مِنْ صَلَاةِ إِمَامِهِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِتْمَامِ وَاقِعٌ عَلَى بَاقٍ مِنْ شَيْءٍ قَدْ تَقَدَّمَ سَائِرُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مِنْ صَلَاةِ إِمَامِهِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَعَطَاءٌ والزهري والأوزاعي وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وقد روي ذلك عن مجاهد وبن سِيرِينَ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا قَالُوا وَالْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْفَائِتِ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَإِنَّمَا ذُكِرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ واقضوا ما سبقتم قال وكذا قال بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا قَالَ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قُلْتُ وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ لِلْأَصْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا قضيت الصلاة الآية وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وَلَيْسَ يَعْنِي مِنْ هَذَا قَضَاءً لِفَائِتٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا أَيْ أَدُّوهُ فِي تَمَامٍ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَتِمُّوا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاقْضُوا وَنَفْيًا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا
انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن ماجه