(قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) أَيْ بَيَّنَ نَصِيبَهُ الَّذِي فُرِضَ لَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَاجِبَةً لِلْأَقْرَبِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ حُقُوقِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا جَازَتْ كَمَا إِذَا أَجَازُوا الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ جَازَ
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَلَوْ جَوَّزْنَاهَا لَكِنَّا قَدِ اسْتَعْمَلْنَا الْحُكْمَ الْمَنْسُوخَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ غَيْرُ جائز وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَيْسَ بِذَاكَ
وَأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ أَصَحُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ
وقد أخرج هذا الحديث الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
(إِلَّا بِالَّتِي) أَيْ إِلَّا بِالْخَصْلَةِ الَّتِي (هِيَ أَحْسَنُ) وَهِيَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وَبَعْدَهُ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سعيرا وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى أَيْ وَمَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الْحَرَجِ فِي شَأْنِهِمْ فَإِنْ وَاكَلُوهُمْ يَأْثَمُوا وَإِنْ عَزَلُوا مَالَهُمْ مِنْ أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فخرج (قل إصلاح لهم) أَيْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِتَنْمِيَتِهَا وَمُدَاخَلَتُكُمْ (خَيْرٌ) أَيْ من ترك ذلك (وإن تخالطوهم) أَيْ نَفَقَتُهُمْ بِنَفَقَتِكُمْ فَإِخْوَانُكُمْ أَيْ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمِنْ شَأْنِ الْأَخِ أَنْ يُخَالِطَ أَخَاهُ أَيْ فَلَكُمْ ذَلِكَ
كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا مَقْرُونًا وَقَالَ أَيُّوبُ ثِقَةٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا لَمْ يَكُنْ