فَكَمْ مِنْ سُنَّةٍ قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بَالْقَبُولِ عَنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهَذَا لَا يُنْكِرهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْخَبَرَ بِمُجَرَّدِ تَجْوِيزِ نِسْيَانِ
ــــــــــــQمُسْتَحِيل ثُمَّ قَالَ (أَسْكِنُوهُنَّ) وَاَللَّاتِي قَالَ فِيهِنَّ {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بِمَعْرُوفٍ} قَالَ فِيهِنَّ {أَسْكِنُوهُنَّ} و {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ} وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا
وَشُبْهَة مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَة فِي الْبَائِن قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجْعِيَّة لَهَا النَّفَقَة حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ نَفَقَتهَا حَامِلًا لَمْ يَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلًا بَلْ فَائِدَة التَّقْيِيد بِالْحَمْلِ التَّنْبِيه عَلَى اِخْتِلَاف جِهَة الْإِنْفَاق بِسَبَبِ الحمل قبل الوضع وبعده فقبل الْوَضْع لَهَا النَّفَقَة حَتَّى تَضَعهُ فَإِذَا وَضَعَتْهُ صارت النفقة بحكم الإجارة وَرَضَاعَة الْوَلَد وَهَذِهِ قَدْ يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فيه فلا تستحقها لقوله تعالى {وإن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَأَمَّا النَّفَقَة حَال الْحَمْل فَلَا يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فِيهِ بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّة حَتَّى تَضَعهُ
فَجِهَة الْإِنْفَاق مُخْتَلِفَة
وَأَمَّا الْحَائِل فَنَفَقَتهَا مَعْلُومَة مِنْ نَفَقَة الزَّوْجَات فَإِنَّهَا زَوْجَة مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّة فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَان وُجُوب نَفَقَتهَا
وَأَمَّا الْحَامِل فَلَمَّا اِخْتَلَفَ جِهَة النَّفَقَة عَلَيْهَا قَبْل الْوَضْع وَبَعْده ذَكَر سُبْحَانه الْجِهَتَيْنِ وَالسَّبَبَيْنِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَار الْقُرْآن وَمَعَانِيه الَّتِي يَخْتَصّ اللَّه بِفَهْمِهَا مَنْ يَشَاء
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} فِي الْبَوَائِنِ لَكَانَ دَلِيلًا ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْحَائِل الْبَائِن لَا نَفَقَة لَهَا لا شتراط الْحَمْل فِي وُجُوب الِاتِّفَاق وَالْحُكْم الْمُعَلَّق بِالشَّرْطِ يَعْدَم عِنْد عَدَمه وَأَمَّا آيَة السُّكْنَى فَلَا يَقُول أَحَد إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْبَائِنِ لِأَنَّ السِّيَاق يُخَالِفهُ وَيُبَيِّن أَنَّ الرَّجْعِيَّة مُرَادَة مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ مُخْتَصَّة بِالرَّجْعِيَّةِ كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَتَتَّحِد الضَّمَائِر وَلَا تَخْتَلِف مُفَسَّرَاتهَا بَلْ يَكُون مُفَسَّر قَوْله {فَأَمْسِكُوهُنَّ} هُوَ مُفَسَّر قَوْله {أَسْكِنُوهُنَّ} وَعَلَى هَذَا فَلَا حُجَّة فِي سُكْنَى الْبَائِن
وَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ عَامَّة لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيَّة وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُون حَدِيث فَاطِمَة مُنَافِيًا لِلْقُرْآنِ بَلْ غَايَته أَنْ يَكُون مُخَصِّصًا لِعُمُومِهِ وَتَخْصِيص الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ جَائِز وَاقِع هَذَا لَوْ كَانَ قَوْله (أَسْكِنُوهُنَّ) عَامًّا فَكَيْف وَلَا يَصِحّ فِيهِ الْعُمُوم لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى وَقَوْله فِي اللَّفْظ الْآخَر إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَة رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَإِسْنَاده صَحِيح
وَفِي لَفْظ لِأَحْمَد إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجهَا مَا