الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إِلَّا أَنَّ الطَّحَّانَ رَوَاهُ مُرْسَلًا وَعَبْدَ السَّلَامِ رَوَاهُ مُتَّصِلًا فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لاضطراب الحديث
(اثنتان فِي ذَاتِ اللَّهِ) أَيْ فِي طَلَبِ رِضَاهُ
اعْلَمْ أَنَّ الثَّالِثَةَ كَانَتْ لِدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ سَارَةَ وَفِيهَا رِضَا اللَّهِ أَيْضًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ نَفْعٌ طَبِيعِيٌّ فِيهَا خَصَّصَ اثْنَتَيْنِ بِذَاتِ اللَّهِ دُونَهَا (قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ) بَالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَحَدُ تِلْكَ الْكَذِبَتَيْنِ قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ بَيَانُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَهُ أَبُوهُ لَوْ خَرَجْتَ مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا لَأَعْجَبَكَ دِينُنَا فَخَرَجَ مَعَهُمْ وَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَلْقَى نَفْسَهُ وَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ تَأْوِيلُهُ إِنَّ قَلْبِيَ سَقِيمٌ بِكُفْرِكُمْ أَوْ مُرَادُهُ الِاسْتِقْبَالَ (وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) بيانه ما روي أنه عليه السلام بعد ما أَلْقَى نَفْسَهُ وَذَهَبُوا رَجَعَ وَكَسَّرَ أَصْنَامَهُمْ وَعَلَّقَ الْفَأْسَ عَلَى كَبِيرِهِمْ فَلَمَّا رَجَعُوا رَأَوْا أَحْوَالَهُمْ فقالوا أنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ
تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى سَبَبِهِ إِذْ كَبِيرُهُمْ كَانَ حَامِلًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ
وَقِيلَ أَرَادَ بِكَبِيرِهِمْ نَفْسَهُ أَيْ مُتَكَبِّرُهُمْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِسْنَادُ حَقِيقِيًّا (فِي أَرْضِ جَبَّارٍ
ــــــــــــQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إِنَّهَا أُخْتِي أَوْ أُمِّي عَلَى سَبِيل الْكَرَامَة وَالتَّوْقِير لَا يَكُون مُظَاهِرًا
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هُوَ حُرّ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاجِرٍ لَمْ يَعْتِق وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ فَإِنَّ السَّيِّد إِذَا قِيلَ لَهُ عَبْدك فَاجِرٌ زَانٍ فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا حُرٌّ قَطَعَ سَامِعه أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الصِّفَة لَا الْعَيْن وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لَهُ جَارِيَتك تَبْغِي فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ حُرَّة
وَسُمِّيَ قَوْل إِبْرَاهِيم هَذَا كَذِبًا لِأَنَّهَا تَوْرِيَة
وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى النَّاس تَسْمِيَتهَا كِذْبَة لِكَوْنِ الْمُتَكَلِّم إِنَّمَا أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَى الَّذِي قَصْده فَكَيْف يَكُون كَذِبًا وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِكَ أَنَّهَا كَذِب بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِفْهَام الْمُخَاطَب لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَايَة الْمُتَكَلِّم فَإِنَّ الْكَلَام لَهُ نِسْبَتَانِ نِسْبَة إِلَى الْمُتَكَلِّم وَنِسْبَة إِلَى الْمُخَاطَب فَلَمَّا أَرَادَ الْمُورِي أَنْ يُفْهِم الْمُخَاطَب خِلَاف مَا قَصَدَهُ بِلَفْظِهِ أُطْلِق الْكَذِب عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَار وَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّم صَادِقًا بِاعْتِبَارِ قصده ومراده