الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ وقد استحسنه القرطبي والحافظ
والإ رشاد إِلَى الصَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُوعِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ مُثِيرَاتِ الشَّهْوَةِ وَمُسْتَدْعَيَاتِ طُغْيَانِهَا (فَإِنَّهُ) أَيِ الصَّوْمُ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّزْوِيجِ لِفَقْرِهِ (وِجَاءٌ) بِكَسْرِ الواو والمد هو رض الخصيتين والمراد ها هنا أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَقْطَعُ شَرَّ الْمَنِيِّ كما يقلعه الْوِجَاءُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بَالنِّكَاحِ لِمَنِ اسْتَطَاعَهُ وَتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ
وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَمْرُ نَدْبٍ لَا إِيجَابٍ فَلَا يَلْزَمُ التَّزَوُّجُ وَلَا التَّسَرِّي سَوَاءً خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا
هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ أَوْجَبَهُ إِلَّا دَاوُدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ
وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَلْزَمُهُ إِذَا خَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى قَالُوا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ خَوْفَ الْعَنَتِ
قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ وَتَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَعَ الْقُرْآنِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النساء وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَخَيَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي
قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيَّرَهُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي بَالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ تَارِكَهُ لَا يَكُونُ آثما انتهى
قال المنذري وأخرجه البخاري
[2047] (تُنْكَحُ النِّسَاءُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالنِّسَاءُ رُفِعَ بِهِ (لِأَرْبَعٍ) أَيْ لَخَصَّهَا لَهَا الْأَرْبَعُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ (لِحَسَبِهَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ شَرَفِهَا
وَالْحَسَبُ فِي الْأَصْلِ الشَّرَفُ بَالْآبَاءِ وَبَالْأَقَارِبِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِسَابِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَفَاخَرُوا عَدُّوا مَنَاقِبَهُمْ وَمَآثِرَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَحَسَبُوهَا فَيُحْكَمُ لِمَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَى غَيْرِهِ
وَقِيلَ المراد بالحسب ها هنا الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ
وَقِيلَ الْمَالُ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِذِكْرِهِ قَبْلَهُ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشَّرِيفَ النَّسِيبَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَسِيبَةً إِلَّا إِنْ