ليسأل كل منّا نفسه: هل يريد أن يكون مثل هؤلاء الأطهار في يقظتهم وانتباههم وسرعة مبادرتهم واستجابتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
من المؤكد أننا سنجيب جميعا بنعم، ليأتي السؤال المتوقع:
وما الذي يمنعنا من ذلك؟!
ما الذي يمنعني وإياك من فعل ما يُرضي الله واجتناب ما نهى عنه؟!
فإما أننا لا نعرف ما هو المطلوب لتحقيق الاستقامة.
وإما أننا نعرف المطلوب، ولكننا نغفل عنه وننساه.
وإما أننا نتذكره، ولكن لا نقدر على التضحية بتكاليف القيام به، ولا نجد همة أو عزيمة تدفعنا لفعله، وإذا ما وجدناها فوجئنا بالأثقال تجذبنا وتمنعنا من التنفيذ.
إذن فلكي تنقاد حياتنا لله، وتستقيم على أمره لا بد من البحث عن وسيلة أو وسائل من شأنها أن تعرفنا بما ينبغي علينا فعله، وتبصرنا بأهدافنا الحقيقية في الحياة، وتذكرنا إذا نسينا، وتستثير هممنا، وتحرك عزائمنا، وتدفعنا للقيام بمتطلبات الاستقامة، أو بمعنى آخر: تبث الروح، وتولد الطاقة، والقوة الدافعة التي من شأنها أن تنهض بالهمة، وتقاوم الأثقال وتنتصر على الهوى وتدفع للعمل.
ما هي الوسيلة التي تُعرِّف، وتُبَصر، وتُذَكِّر، وتجذب الواحد منا للعمل الذي يرضي الله عز وجل؟!
لنفكر في الوسائل التي بين أيدينا لعلنا نصل إلى مبتغانا.
لنبحث في الكتب الموجودة في المكتبة الإسلامية عن كتاب يحتوي على كل ما ينبغي علينا فعله، ويحتوي كذلك على كيفية مواجهة الحياة والتعامل مع متغيراتها.
إذا تخيلنا أن مثل هذا الكتاب موجود بالفعل، فهل يكفي وجوده لتحصيل الاستقامة وحالة الانتباه واليقظة؟
إننا لا نريد فقط ما يعرّفنا أو يعلّمنا، ولكن نريد كذلك ما يذكّرنا دومًا بما عرفناه وتعلمناه، فمن طبيعة الإنسان النسيان.
ومع التعريف والتذكير، نريد منه أيضًا أن يستثير هممنا ويقوِّي عزائمنا، ويدفعنا لفعل ما عرفناه وتذكرناه.
فهل من الممكن أن نجد كتابًا من تصانيف البشر يجمع بين كل هذه الخصائص؟!
فمهما كانت قيمة الكتاب، وقدرته- بإذن الله- على التأثير في المشاعر، فإنه بعد فترة سيمل منه قارئه، وسيعود لسابق عهده من ضعف الهمة والإرادة.
وهذا لا يقلل من شأن القراءة، ولكننا هنا نتحدث عن الاستقامة، وعن الوسيلة التي من شأنها أن تجعلنا في حالة شبه دائمة من الانتباه واليقظة، ومن ثمَّ يسهل علينا فعل ما نتعلمه من قراءتنا للكتب وسماعنا للتوجيهات.
ونفس الكلام ينطبق على الخطب والمواعظ، والمواد السمعية والمرئية، فهي بلا شك لها دور ملموس في التعريف والتذكير واستثارة الهمم، ولكن في نطاق محدود، ولا يمكن للمرء أن يداوم عليها كل يوم، وإن داوم فستفقد تدريجيًا تأثيرها عليه.
هي وإن كانت وسيلة مهمة، لكنها ليست هي مقصدنا الأساسي الذي نسعى إليه، ونأمل وجوده، ونعوّل عليه الكثير في الاقتراب من المستوى الذي كان عليه الصحابة، فتأثيرها هي أيضًا وقتي، لا يدوم طويلا.
ومن الوسائل المهمة للتذكير، والإعانة على القيام بأعمال الاستقامة: الصحبة الصالحة، فالإنسان عندما يوضع في وسط طيب فإنه يتأثر به، ولكن مع أهمية الصحبة الصالحة، وضرورتها إلا إنه من الصعب أن يتجمع الأصحاب كل يوم.
نعم، هي تستثير الهمم، وتقوم بدور خطير في التعليم والتذكير، ولكن الفرد في النهاية يخلو مع نفسه فترات طويلة يحتاج فيها إلى ما يولد داخله الدافع الذاتي للقيام بأعمال البر المختلفة.
لنفكر سويا:
فإن كان الكتاب والشريط والصحبة الصالحة- مع أهميتهم وضرورة الأخذ بهم- لا تكفي للوصول بنا إلى حالة الانتباه شبه الدائمة فما الحل إذن؟!