عوده الحجاب (صفحة 944)

ويبقى في هذه العجالة تنبيهان:

الأول: وهي مسألة دقيقة لا يتفطن إليها من "يحتار" بين الأقوال والأدلة المتعارضة في المسألة؟ وينزعج من الخلاف فيها، وهي أن مسائل الفقه ليست كلها على درجة واحدة من الوضوح والحسم في حكمها، فالألفاظ منها واضح الدلالة كالظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم، ومنها غير

واضح الدلالة كالمتشابه، والمجمل، والمشكل، والخفي، وأنه لا يشترط أن يقوم دليل قطعي على كل مسألة، بل أغلب مسائل الفقه ظنية، وإن الاجتهاد كما يجري في "ثبوت النص " كذلك يجري في "دلالته "، وأن المسائل الفقهية الخلافية يتم الترجيح فيها بالنظر في مجموع الأدلة، وليس في طائفة منها، وأن ضعف الدليل لا يستلزم ضعف المدلول، بمعنى أن صاحب المذهب الراجح قد يكون في ضمن أدلته دليل ضعيف من حيث ثبوته، أو من حيث دلالته، دون أن يقدح هذا في ترجيح مذهبه بالنظر إلى مجموع الأدلة التي استند إليها.

الثاني: أننا يجب أن نتلقى الحكم الشرعي الراجح بصدور منثسرحة، وتسليم مطلق، وثقة كاملة بأن شريعة الله فيها صلاحنا وخيرنا، وأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأنه لا تخلو عبادة من مشقة معتادة، ومجاهدة للنفس، غير أن هذه المشقة إذا زادت وتضاعفت وصارت فوق الاحتمال، فهنا تأتي الرخصة الشرعية رفعًا للحرج، ودفعًا للعنت، وتيسيرًا على المكلفين، وأن على الباحث في المسألة أن يفرق بين "الحكم الشرعي" الأصلي الذي نستنبطه من الأدلة بتجرد، ونزاهة، وبين "الفتوى" التي تعتمد على المواءمة بين الحكم الشرعي وظروف المستفتي الخاصة أو الطارئة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الإسكندرية في السبت 28 صفر 1423 هـ

الموافق 11 مايو 2002م

-د-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015