عوده الحجاب (صفحة 317)

18

في ضميره بقية من حياة.

لقد أخبرنا التاريخ بهلاك هذه البلدة في غمرة مفاجئة من حمم "فيزوف" طمستها في دقائق معدودة، ولكنه لم يعرفنا شيئا عن هذه المدينة سوى أنها بلد الفن الإيطالي حتى إذا شاء الله أن يكشف عبرتها، هدى الإنسان إلى إبرازها من تحت الركام، فإذا هناك عجب.. شعب بأكمله استحال إلى محنطات لم يبل منها شيء، ولم يتغير وضع، حتى الخباز لترى في يديه لوحا مستخرجا به الخبز.. وحتى السكارى ليمسكون بكؤوس الخمر على شفاههم ... وحتى الفاسقون في أشنع حالات الفحشاء.

وكان من بالغ عبر بومبي ما يراه السائحون هناك فوق مداخل بعض القصور: رسوم موازين منحوتة في الصخر في إحدى كفتي الواحد منها أكداس من الجواهر، يقابلها في الأخرى "رمز اتخذوه للفاحشة"، راجحا على تلك الأكداس، إشارة إلى أن الشهوة عندهم هي غاية الحياة. إن مَثُلات القدر لم تنته من الأرض، فلئن هلك بعض الأمم الظالمة بالخسف أو النسف أو الجوع أو المسخ ... إن ذلك لمستمر لم ينقطع بعد ولن ينقطع (?) .. وإلا فما هذه الزلازل تقرع البشر هنا وهناك؟ ... وما هذه السيول تجرف المدن والقرى في الشرق والغرب؟ ... وما هذه الأمراض الفتاكة تجتاح الإنسان في كل مكان؟ وقد عجز العلم عن استئصالها، فما يكاد أن يستريح من غارة حتى يستأنف التعبئة لدفع غارة!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015