مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لآنفسكم فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك: فَلِ أمرنا باليُمن والبركة (?). وبهذا يكون عمر قد قام بأول عمل تجديدي، حيث أعفى الناس من الملك العضوض، ولم يجبرهم على القبول بمن لم يختاروه، بل رد الأمر إليهم وجعله شورى بينهم (?).
فقد تواترت النقول المفيدة أنه بلغ من حرصه على ذلك أقصى المراتب فقد استشعر عظم المسؤولية وضخامة الحمل منذ اللحظة الأولى لاستلامه الخلافة، فقال لمن سأله: مالي أراك مغتماً؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليُغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه، ولا طالبه مني (?). وقال: لست بخير من أحد منكم، ولكن أثقلكم حملاً (?). وكان يطالب عمّاله باختيار أصحاب الكفاءة والدين فيمن يولونه شأنا من شؤون المسلمين، فقد كتب إلى أحد عمّاله: لا تولين شيئاً من أمر المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم، والتوفير عليهم، وأداء الأمانة فيها استرعى (?)، ولم تكن سياسته في التورع عن أموال المسلمين سياسة طبقها على خاصة نفسه فقط بل أزم بها عمّاله وولاته، فقد كتب إلى عامله أبي بكر بن حزم: أن أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين مالاً ينتفعون به (?)، وقد ساس رعيته سياسة رحيمة، وأمَّن لهم عيشاً رغيداً وكفاهم مذلة السؤال، فقسم فضول العطاء في أهل الحاجات (?)، وقسم في فقراء أهل البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان، وأعطى الزمنى خمسين خمسين (?)، وطلب من عماله أن يجهزوا من أراد أداء فريضة الحج (?)، وكتب إلى عماله: أن