د ـ وأن الآخرة هي الباقية وهي دار القرار، فلهذه الأمور وغيرها زهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا وأول الزهد الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح، وأعلى مراتب الزهد أن تزهد في الفضول وكل مالك عنه غنى (?)، وكان زهد عمر بن عبد العزيز مبني على الكتاب والسنة ولذلك ترك كل أمر لا ينفعه في آخرته فلم يفرح بموجود وهي الخلافة، ولم يحزن على مفقود من أمور الدنيا، وقد ترك ما هو قادر على تحصيله من متاع الدنيا إنشغالاً بما هو خير في الآخرة ورغبة في ما عند الله عز وجل (?)، قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها (?)، قال ابن عبد الحكم: ولما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه وترك ألوان الطعام، فكان إذا صنع له طعام هيىء على شيء وغطي، حتى إذا دخل اجتذبه فأكل (?)، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه ويقيم صلبه وكانت نفقته وعياله في اليوم كما في الأثر، فعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين (?)، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين (?)، وهكذا فعل بالجواري والعبيد حيث رد الجواري إلى أصحابهن إن كن من اللاتي أخذن بغير حق ووزع العبيد على العميان وذوي العاهات وحارب كل مظاهر الترف والبذخ، والإسراف (?)،

وأما ما قيل عن زهده بالنسبة للنكاح، فقد روى ابن عبد الحكم فقال: وقالت فاطمة زوجته ما اغتسل من جنابة منذ ولي حتى لقي الله غير ثلاث مرات، ويقال: ما اغتسل من جنابة حتى مات (?)، فهذا ينافي ما اشتهر به عمر بن عبد العزيز من حبه الشديد لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فيستبعد منه رحمه الله أن يترك السنة، وأن يقع في ظلم زوجاته وحقوقهن، فإن ترك الزواج وتحريم ذلك لا علاقة له بالزهد الإسلامي الذي بينه رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو دخيل على المجتمع المسلم، وهو ما تفتخر به بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015