قلت: يقولون إنك مسحور. قال: ما أنا بمسحور ثم دعا غلاماً له فقال له: ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق، قال: هات الألف فجاء بها فألقاها عمر في بيت المال. وقال: أذهب حيث لا يراك أحد (?) فالسبب المباشر لمرضه وموته فهو كما ذكرت الروايات كان بسبب سقيه السم (?)،
ففي عفوه عن غلامه الذي وضع له السم وتسبب في قتله وهو قادر على أن يقتله شر قتلة وفي عدم إستفهامه من الغلام عن من أمره بوضع السم وقد كان يستطيع إرغام الغلام والاعتراف بذلك ثم يأمر بالقصاص منهم جميعاً، مثل عجيب في العفو وسبب ذلك لا نه كان يوقن أن ما عند الله خير وأنه إن عفا عنه حصل له الثواب من الله تعالى على عفوه، وإن انتصر منه فأقام عليه الحد لم يا ثم ولكنه لا يحصل على أجر العفو ونظراً إلى أن أغلى شيء عنده في هذه الحياة أن يرتفع رصيده من الحسنات فإنه قد فضل العفو على انتصاره للنفس (?).
بلغ من تواضع عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه عندما ذكروا له ذلك الموضع الرابع في حجرة عائشة والتي فيها قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وعمر، فقالوا: لو دنوت من المدينة حتى تدفن معهم قال: والله لا يعذبني الله عذاباً ـ إلا النار فإني لا صبر بي عليها ـ أحب إلي من أن يعلم الله من قلبي أني أراني لذلك أهلاً (?). ويأبى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ إلا أن يشتري موضع قبره من ماله الخاص وذلك بسبب ورعه ومحاسبته الشديدة لنفسه، فقد جاءت الروايات أنه قال لمن حوله ـ وهو في مرض موته ـ إشتروا من الراهب موضع قبري فقال له النصراني: والله يا أمير المؤمنين إني لأتبرك بقربك وجوارك وإنها لخيرة أن يكون قبرك في أرضي، قد أحللتك ويأبى عمر قائلاً: إن بعتموني موضع قبري وإلا تحولت عنكم ثم دعا بالثمن الذي إختلفت الروايات في مقداره فقيل: دينارين، وقيل ستة، وقيل: ثلاثين، دعا بالثمن فوضعه في يد النصراني فقال أصحاب الأرض: لولا أنا نكره أن يتحول عنا ما قبلنا الثمن (?).