ثانيا: حرص عمر بن عبد العزيز على إنتقاء عماله من أهل الخير والصلاح:

إن عمال الخليفة وأمراء البلدان بخاصة هم نواب الخليفة في أقاليمهم، والواسطة بينه ورعيته ومهما كان الخليفة على درجة من الدراية في تصريف أمور السياسة إلا أنه لا يستطيع تحقيق النجاح إلا إذا أختار عماله بعناية تامة، لذا عني عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عناية فائقة بإختياره عماله وولاته، وحين نتبع أخباره في هذا الصدد نجد أن له شروطاً لا بد من تحققها فيمن يختار العمل عنده، ومن أهم هذه الشروط: التقوى، الأمانة، وحسن التدين، فلما عزل خالد بن الريا ن الذي كان رئيسا للحرس في عهد الوليد بن سليمان ـ نظر عمر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن المهاجر الأنصاري فقال: والله إنك لتعلم يا عمرو أنه مابيني وبينك قرابة إلا الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن انه لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي (?)، وكان يكتب إلى عماله: إياكم أن تستعملوا على شئ من أعمالنا إلا أهل القرآن، فإنه لم يكن عند أهل القرآن خير فغيرهم أحرى بأن لا يكون عندهم خير (?). وإذا شك في أمر من ينوي توليته لم يقدم على توليته حتى يتبين له حاله، فحين ولى الخلافة وفد عليه بلال بن أبي بردة فهنأه وقال: من كانت الخلافة ـ يا أمير المؤمنين ـ شرفته فقد شرفتها، ومن كانت زانته فقد زنتها وإستشهد بأبيات من الشعر في مدح عمر فجزاه عمر خيراً، ولزم بلال المسجد يصلي، ويقرأ ليله ونهاره، فهم عمر أن يوليه العراق، ثم قال: هذا رجل له فضل، فدس إليه ثقة له فقال له: إن عملت لك في ولاية العراق ما تعطيني؟ فضمن له مالاً جليلاً، فأخبر بذلك عمر، فنفاه وأخرجه (?)،

وكان يكره أن يولي أحداً ممن غمس نفسه في الظلم أو عمل مع الظلمة لاسيما الحجاج (?)، وإذا كان من قبل عمر يجعل للعصبية والقرابة من البيت الأموي وزنا في تولية العمل، فإنه لم يكن شئ من ذلك في ميزان عمر فحدث الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته وعنده أشراف بني أمية، فقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015