عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن: فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز (?). وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحاً وكان يظن بأنه سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولي عمر الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به (?).

6 ـ عودة عمر بن عبد العزيز إلى دمشق:

خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي ومعه خادمه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم وقال: يا مزاحم، نخشى أن نكون من نفت المدينة (?)، يشير بذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا وإن المدينة كالكير يخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تفني المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد (?). وقال مزاحم: ولما خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة نظرت فإذا القمر في الدبران (?) ـ كأنه تشاءم من ذلك ـ فقال: فكرهت أن أقول ذلك له فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه في هذه الليلة! فنظر عمر فإذا هو بالدبران فقال: كأنك أردت أن تعلمني أن القمر بالدبران. يا مزاحم: إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكن نخرج بالله الواحد القهار (?)، وسار عمر حتى وصل السويداء، وكان له فيها بيت ومزرعة، فنزل فيها فأقام مدة يرقب الأوضاع عن بعد، ثم رأى أن مصلحة المسلمين تقتضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015