س ـ وتظهر هذه المسئولية خصوصاً في تعيين الولاة، فما يرتكبه ولاة الإمام وعُمّاله الإمام هو أول مسئول عنها، ولهذا يجب على الإمام ألا يسلط المستكبرين على المستضعفين، لأن المتكبرين لا يرعون الحرمات ولا يراقبون الله في أعمالهم وأحكامهم، فإذا عيّن الإمام واحداً من هؤلاء، فقد تحمّل مع أوزاره الخاصة أوزارهم (?).

6 ـ الحسن البصري يصف الدنيا لعمر بن عبد العزيز:

كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز واصفاً له الدنيا: أما بعد: يا أمير المؤمنين فإن الدنيا دار ظعن وانتقال وليست بدار إقامة على حال، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة فأحذرها، فإن الراغب فيها تارك، والغني فيها فقير، والسعيد من أهلها من لم يتعرض لها، إنها إذا اختبرها اللبيب الحاذق وجدها تذل من أعزها، وتفرق من جمعها، فهي كالسم يأكله من لا يعرفه ويرغب فيه من يجهله، وفيه والله حتفه، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جراحه يحتمي قليلاً، مخافة ما يكره طويلاً، الصبر على لوائها، أيسر من احتمال بلائها، واللبيب من حذرها، ولم يغتر بزينتها، فإنها غدارة ختالة خداعة، قد تعرضت بآمالها وتزينت لخطابها، فهي كالعروس العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، وهي والذي بعث محمداً بالحق لأزواجها قاتلة، فاتق يا أمير المؤمنين صرعتها، واحذر عثرتها، فالرخاء فيها موصول بالشدة والبلاء، والبقاء مؤد إلى الهلكة والغناء واعلم يا أمير المؤمنين أن أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وتاركها موفق، والمتمسك بها هالك غرق، والفطن اللبيب من خاف ما خوفه الله، وحذر ما حذره، وقدر من دار الفناء إلى دار البقاء فعند الموت يأتيه اليقين، الدنيا يا أمير المؤمنين دار عقوبة، لها يجمع من لا عقل له، وبها يغتر من لا علم عنده، والحازم اللبيب من كان فيها كالمداوي جراحه، يصبر على مرارة الدواء، لما يرجو من العافية، ويخاف من سوء عاقبة الدار والدنيا وأيم الله، يا أمير المؤمنين حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، والعباد في أضغاث أحلام، وإني قائل لك يا أمير المؤمنين ما قال الحكيم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015