ولا علاقة بتسمية المعتزلة بالصحابة الكرام لا من قريب ولا بعيد، فالصحابة الذين اعتزلوا الفتنة بين علي ومعاوية وفي الجمل رضي الله عنهم لم يسموا معتزلة بالمعنى الاصطلاحي الذي يفهم من مدلول هذه الكلمة وإنما بالمعنى اللغوي، يؤيد ذلك أن المعتزلة الذين نحن بصدد الحديث عنهم إنما سموا بذلك لاعتزالهم مذهب أهل السنة والجماعة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أئمة أهل السنة والجماعة، فكيف يُجعلون سلفاً للمعتزلة الذين اقتفوا أثر العقل دون الشرع؟ وبذلك يعلم خطأ من جعل أصحاب رسول الله سلفاً لهؤلاء المعتزلة فإن المعتزلة جعلوا الاعتزال ديناً لهم يتعبدون الله تعالى على أساس تعاليمه، وأما أولئك الصحابة اعتزلوا الفتنة طلباً للسلامة من الإثم وصوناً للدماء (?). وقد تميز المعتزلة عن أهل السنة والجماعة بمدرسة منهجية فكرية خاصة، الهيمنة فيها للعقل وحده بلا منازع وتركوا التمسك بالنصوص الشرعية، التي فيها محض الهدى والعصمة من الانحراف والضلال (?).
2 ـ فرق المعتزلة: فلمّا كانت القاعدة الرئيسة التي اعتمد عليها المعتزلة هي العقل به يثبتون وبه ينفون، وبسبب انغماس المعتزلة في الفلسفة اليونانية القائمة على الجدل والخصومة دبَّ الخلاف بين رجال هذه الفرقة، وتشعبت أراؤهم، وتفرقوا إلى اثنتين وعشرين فرقة منها: الواصلية والعمروية والهذلية والنظامية ... الخ. ولكل فرقة من هذه الفرقة بدع خاصة بها، وكلهم يجتمعون على الأصول الخمسة في الجملة، لكنهم يختلفون في جزئيات داخل هذه الأصول، ولا عجب في ذلك ما دام العقل هو المحكِّم عندهم ولكل اهتماماته المختلفة عن الآخر (?).
أخذت المعتزلة عن ثلاث فرق سابقة عليها، وأحييت بدورها تلك العقائد ولكن بشكل آخر، فأخذت عن الخوارج، وعن القدرية الغلاة، وعن الجهمية (?).
- ما أخذته من الخوارج:
أـ حكم مرتكب الكبيرة في الآخر:
يقول البغدادي: ثم إن واصلاً وعمراً، وافقا الخوارج في تأييد عقاب صاحب الكبيرة في النار مع قولهما بأنه موحِّد، وليس