أبداً، وإنما نجده في كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بني أمية في نظر الجمهور الإسلامي وقد كتب ذلك المسعودي في مروج الذهب وغيره من كتّاب الشيعة وقد تسربت تلك الأكذوبة إلى كتب تاريخ أهل السنة ولا يوجد فيها رواية صحيح، فهذه دعوة مفتقرة إلى صحة النقل، وسلامة السند من الجرح، والمتن من الاعتراض، ومعلوم وزن هذه الدعوة عند المحققين والباحثين، ومعاوية رضي الله عنه بعيد عن مثل هذه التهم بما ثبت من فضله في الدين، وكان محمود السيرة في الأمة أثنى عليه بعض الصحابة ومدحه خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير (?). وقد ثبت هذا في حق معاوية ـ رضي الله عنه ـ كما أنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن علي رضي الله عنه على المنابر، وهو من هو في الفضل، ومن علم سيرة معاوية ـ رضي الله عنه في الملك وما اشتهر به من الحلم والصفح، وحسن السياسة للرعية ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه، فقد بلغ معاوية رضي الله عنه في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال (?). وقد تحدثت عن هذه الفرية بنوع من التوسع في كتابي خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب.
وقد بينت فيه علاقة معاوية بأولاد علي رضي الله عنه بعد استقلاله بالخلافة وما كان بينهم من الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم، كما أن المجتمع في عمومه مقيد بأحكام الشريعة حريصاً على تنفيذها ولذلك كانوا أبعد الناس عن الطعن واللعن والقول الفاحش والبذيء. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات المشركين، فكيف بمن يسب أولياء الله المصلحين، فعن عائشة رضي الله عنها ـ مرفوعاً ـ لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا (?).