لَا لكَونه مَخْصُوصًا بِهِ، على أَنا نقُول: التَّمَسُّك باسم الصَّعِيد، وَهُوَ وَجه الأَرْض وَلَيْسَ باسم التُّرَاب فَقَط، بل هُوَ وَجه الأَرْض وَلَيْسَ التُّرَاب فَقَط، بل هُوَ وَجه الأَرْض تُرَابا كَانَ أَو صخراً لَا تُرَاب عَلَيْهِ أَو غَيره.
الرَّابِع: فِيهِ أَن اتعالى أَبَاحَ الْغَنَائِم للنَّبِي ولأمته كَمَا ذكرنَا.
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا لم يجد الرجل مَاء ليتوضأ بِهِ وَلَا تُرَابا اليتيمم بِهِ، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يُصَلِّي بِلَا وضوء وَلَا تيَمّم أم لَا؟ وَفِيه: مَذَاهِب للْعُلَمَاء على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ اتعالى.
وَجه الْمُنَاسبَة فِي تَقْدِيم هَذَا الْبَاب على بَقِيَّة الْأَبْوَاب، بعد ذكر كتاب التَّيَمُّم، هُوَ أَنه صدر أَولا بِذكر مَشْرُوعِيَّة التَّيَمُّم عِنْد عدم المَاء، ثمَّ ذكر بعده حكم من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا، هَذَا على تَقْدِير كَون هَذَا الْبَاب فِي هَذَا الْموضع، وَفِي بعض النّسخ ذكر بعد قَوْله: كتاب التَّيَمُّم بَاب التَّيَمُّم فِي الْحَضَر، ثمَّ ذكر بعده بَاب: إِذا لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا، فعلى هَذَا الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِنَّه ذكر أَولا حكم التَّيَمُّم فِي السّفر، ثمَّ ذكر حكمه فِي الْحَضَر، ثمَّ ذكر حكم عادم المَاء وَالتُّرَاب مَعًا، وَهُوَ على التَّرْتِيب كَمَا يَنْبَغِي، وَلم يتَعَرَّض لمثل هَذِه النُّكْتَة أحد من الشُّرَّاح.
6333 - ح دّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى قالَ حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ نُمَيْرٍ قالَ حدّثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّهَا اسْتَعَارَتْ منْ أسْماءَ قِلاَدةً فَهَلَكَتْ فَبَعَثَ رسولُ اللَّهِ رَجُلاً فَوَجَدَها فَأدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ فَصَلَّوْا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رسولِ الله فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فقالَ أسَيْدُ بنُ حُضَيرٍ لِعَائِشَةَ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْراً فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْراً.
وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهر فِي قَوْله: (فأدركتهم الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعَهم مَاء) . وَأما وَجه زِيَادَة قَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَلَا تُرَابا، فَهُوَ أَنهم لما صلوا بِلَا وضوء وَلم يتيمموا أَيْضا لعدم علمهمْ بِهِ، فكأنهم لم يَجدوا مَاء وَلَا تُرَابا، إِذْ كَانَ حكمه حكم الْعَدَم عِنْدهم، فصاروا كَأَنَّهُمْ لم يَجدوا مَاء وَلَا تُرَابا. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (أَقبلنَا مَعَ النَّبِي، من غَزْوَة كَذَا، حَتَّى إِذا كُنَّا بالمعرس، قَرِيبا من الْمَدِينَة، نَعَست من اللَّيْل، وَكَانَت على قلادة تدعى السمط، تبلغ السُّرَّة، فَجعلت أنعس فَخرجت من عنقِي، فَلَمَّا نزلت مَعَ النَّبِي، لصَلَاة الصُّبْح قلت: يَا رَسُول اخرت قلادتي، فَقَالَ للنَّاس: إِن أمكُم قد ضلت قلادتها فابتغوها، فابتغاها النَّاس وَلم يكن مَعَهم مَاء، فاشتغلوا بابتغائها إِلَى أَن حَضرتهمْ الصَّلَاة، ووجدوا القلادة وَلم يقدروا على مَاء، فَمنهمْ من تيَمّم إِلَى الْكَفّ، وَمِنْهُم من تيَمّم إِلَى الْمنْكب، وَبَعْضهمْ تيَمّم على جلدَة، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فأنزلت آيَة التَّيَمُّم) . انْتهى. وَقد قلت: إِنَّهُم لم يتيمموا، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُم تيمموا. قلت: هَذَا التَّيَمُّم الْمُخْتَلف فِيهِ عِنْدهم كلا تيَمّم لعدم نزُول النَّص حينئذٍ، فَصَارَ كَأَنَّهُمْ صلوا بِغَيْر طهُور، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه: (عَن عَائِشَة أَنَّهَا استعارت قلادة من أَسمَاء، فَسَقَطت من عُنُقهَا فابتغوها فوجدوها، فَحَضَرت الصَّلَاة فصلوا بِغَيْر طهُور) ، الحَدِيث.
وَقَوله: (بِغَيْر طهُور) ، يتَنَاوَل المَاء وَالتُّرَاب، فَدلَّ هَذَا أَن التَّيَمُّم الَّذِي تيمموا على اخْتِلَاف صفته كَانَ حكمه حكم الْعَدَم، أَلا يرى أَنه لَو كَانَ مُعْتَبرا بِهِ ومعتداً قبل نزُول الْآيَة لما سَأَلَ عمار رَضِي اتعالى عَنهُ، الَّذِي هُوَ أحد من تيَمّم ذَلِك التَّيَمُّم الْمُخْتَلف فِيهِ، رَسُول ا، عَن صفة التَّيَمُّم، فسؤاله هَذَا إِنَّمَا كَانَ بعد تيَمّمه بذلك التَّيَمُّم الْمُخْتَلف فِيهِ. فَإِن قلت: هَذَا التَّيَمُّم الْمُخْتَلف فِيهِ هَل هُوَ عملوه بِاجْتِهَاد ورأي من عِنْدهم أم بِالسنةِ؟ قلت: الظَّاهِر أَنه كَانَ بِاجْتِهَاد مِنْهُم، فَيرجع هَذَا إِلَى الْمَسْأَلَة الْمُخْتَلف فِيهَا، وَهِي أَن الِاجْتِهَاد فِي عصره هَل يجوز أم لَا؟ فَمنهمْ من جوزه مُطلقًا، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد الْأَكْثَرين، وَمِنْهُم من مَنعه مُطلقًا. وَقَالَت طَائِفَة: يجوز للغائبين عَن الرَّسُول دون الْحَاضِرين، وَمِنْهُم من جوزه إِذا لم يُوجد مَانع.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: زَكَرِيَّا بن يحيى، هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات: زَكَرِيَّا بن يحيى، من غير ذكر جده