الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين: وَفِيه: السماع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي ومدني.
ذكر تعدده وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن قُتَيْبَة وَعَن مُسَدّد وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب عَن سُفْيَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن عبد الله والْحَارث بن مِسْكين، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن يحيى بن آدم وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحَج عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (لَا نرى إلاَّ الْحَج) جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال، وَلَا نرى، بِضَم النُّون، بِمَعْنى: لَا نظن وَقَوله: إلاَّ الْحَج، يَعْنِي: إلاَّ قصد الْحَج، لأَنهم كَانُوا يظنون امْتنَاع الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، فَأخْبرت عَن اعتقادها، أَو عَن الْغَالِب عَن حَال النَّاس، أَو عَن حَال الشَّارِع أما هِيَ فقد قَالَت: إِنَّهَا لم تحرم إلاَّ بِالْعُمْرَةِ. قَوْله: (فَلَمَّا كنت) وَفِي بعض النّسخ: (فَلَمَّا كُنَّا) قَوْله: (بسرف) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء فِي آخِره فَاء وَهُوَ اسْم مَوضِع قريب من مَكَّة بَينهمَا نَحْو من عشرَة أَمْيَال، وَقيل: عشرَة، وَقيل: تِسْعَة، وَقيل: سَبْعَة، وَقيل: سِتَّة، وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث. قَوْله: (حِضْت) بِكَسْر الْحَاء، لِأَنَّهُ من حاض يحيض، كبعت من بَاعَ يَبِيع، بِأَصْلِهِ حيضت، قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ، حِضْت، بِالْفَتْح ثمَّ أبدلت الفتحة كسرة لتدل على الْيَاء المحذوفة. قَوْله: (وَأَنا أبْكِي) جملَة إسمية وَقعت حَالا بِالْوَاو. قَوْله: (أنفست؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، ونفست، قَالَ النَّوَوِيّ: بِضَم الْفَاء وَفتحهَا فِي الْحيض وَالنّفاس، لَكِن الضَّم فِي الْولادَة وَالْفَتْح فِي الْحيض أَكثر. وَحكى صَاحب (الْأَفْعَال) الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَفِي (شرح مُسلم) الْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَن نفست، بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء مَعْنَاهُ: حِضْت، وَأما فِي الْولادَة فَيُقَال: نفست، بِضَم النُّون، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: نفست، بِضَم النُّون وَفتحهَا فِي الْولادَة وَفِي الْحيض بِالْفَتْح لَا غير. قَوْله: (إِن هَذَا أَمر) إِشَارَة إِلَى الْحيض، فَالْأَمْر بِمَعْنى الشَّأْن. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: أَمر، وَفِي التَّرْجَمَة، شَيْء، فَهُوَ إِمَّا من بَاب نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَإِمَّا أَن اللَّفْظَيْنِ ثابتان. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى الترديد، إِذْ اللفظان ثابتان. قَوْله: (فاقضى) خطاب لعَائِشَة، فَلذَلِك لم تسْقط الْيَاء، وَمَعْنَاهُ، فأدي لِأَن الْقَضَاء يَأْتِي بِمَعْنى الْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} (سُورَة الْجُمُعَة: 10) أَي: إِذا أدّيت صَلَاة الْجُمُعَة. قَوْله: (مَا يقْضِي الْحَاج) قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد من الْحَاج الْحسن، فَيشْمَل الْجمع، هُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {سامر اتهجرون} (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: 67) قلت: لَا ضَرُورَة إِلَى هَذَا الْكَلَام، بل هُوَ اسْم فَاعل، وَأَصله، حاجج، وَرُبمَا يَأْتِي فِي ضَرُورَة الشّعْر هَكَذَا قَالَ الراجز:
بِكُل شيخ عَامر أَو حاجج
وَفِي (الصِّحَاح) تَقول: حججْت الْبَيْت أحجه حجا فَأَنا حَاج، وَيجمع على: حجج مثل: بازل وبزل. قَوْله: (غير ألاَّ تطوفي) بِنصب غير، وإلاَّ بِالتَّشْدِيدِ أَصله أَن لَا يجوز، أَن تكون: أَن مُخَفّفَة، من المثقلة، وَفِيه ضمير الشَّأْن، وَلَا تطوفي، مجزوم وَالْمعْنَى لَا تطوفي مَا دمت حَائِضًا لفقدان شَرط صِحَة الطّواف، وَهُوَ الطَّهَارَة. قَوْله: (بالبقر) ويروي: (بالبقر) وَالْفرق بَينهمَا: كتمرة وتمر، وعَلى تَقْدِير عدم التَّاء يحْتَمل التَّضْحِيَة بِأَكْثَرَ من بقرة وَاحِدَة.
ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن الْمَرْأَة إِذا حَاضَت بعد الْإِحْرَام يَنْبَغِي لَهَا أَن تَأتي بِأَفْعَال الْحَج كلهَا غير أَنَّهَا لَا تَطوف بِالْبَيْتِ، فَإِذا طافت قبل أَن تتطهر فعلَيْهَا بدلة، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاء وَالْجنب عَلَيْهِمَا بَدَنَة بِالطّوافِ قبل التطهر عَن النّفاس والجنابة، وَأما الْمُحدث فَإِن طَاف طواف الْقدوم فَعَلَيهِ صَدَقَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعْتد بِهِ، وَالطَّهَارَة من شَرطه عِنْده، وَكَذَا الحكم فِي كل طواف هُوَ تطوع، وَلَو طَاف طواف الزِّيَارَة مُحدثا فَعَلَيهِ شَاة، وَإِن كَانَ جنبا فَعَلَيهِ بَدَنَة، وَكَذَا الْحَائِض وَالنُّفَسَاء. وَمِنْهَا: جَوَاز الْبكاء والحزن لأجل حُصُول مَانع لِلْعِبَادَةِ وَمِنْهَا جَوَاز التَّضْحِيَة ببقرة وَاحِدَة لجَمِيع نِسَائِهِ وَمِنْهَا جَوَاز تضحية الرجل لامْرَأَته. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، استأذنهن فِي ذَلِك، فَإِن تضحية الْإِنْسَان عَن غَيره لَا يجوز إلاَّ بِإِذْنِهِ قلت: هَذَا فِي الْوَاجِب، وَأما فِي التَّطَوُّع فَلَا يحْتَاج إِلَى الْإِذْن، فاستدل مَالك بِهِ على أَن التَّضْحِيَة بالبقر أفضل من الْبَدنَة، وَلَا دلَالَة فِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ، مِنْهُم الشَّافِعِي ذَهَبُوا إِلَى أَن التَّضْحِيَة بالبدنة أفضل من الْبَقَرَة لتقديم الْبَدنَة على الْبَقَرَة فِي حَدِيث سَاعَة الْجُمُعَة.
وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ هَاهُنَا حَدِيث طَوِيل فِيهِ أَحْكَام كَثِيرَة وخلافات بَين الْعلمَاء، وموضعها كتاب الْحَج.