لِأَنَّهَا تدل على الْحَالة (فَإِن قلت) كَيفَ تَقول السُّؤَال فِي موضِعين عَن حَالَة الْغسْل وَالْجَوَاب بالكمية (قلت) الْحَالة هِيَ الْكَيْفِيَّة وللغسل حَقِيقَة وَحَالَة فحقيقته إسالة المَاء على سَائِر الْبدن وحالته اسْتِعْمَال مَاء نَحْو صَاع أَو ثَلَاث أكف مِنْهُ وَلم يكن السُّؤَال عَن حَقِيقَة الْغسْل وَإِنَّمَا كَانَ عَن حَاله فَوَقع الْجَواب بالكم فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن كَيفَ وَكم من الْعَوَارِض المنحصرة فِي المقولات التسع فطابق الْجَواب السُّؤَال وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا بعث لبَيَان الْحَقَائِق وَإِنَّمَا بعث لبَيَان الْأَحْكَام وَالْأَحْكَام من عوارض الْحَقَائِق قَوْله " ثَلَاثَة أكف " هِيَ رِوَايَة كَرِيمَة بِالتَّاءِ وَفِي رِوَايَة غَيرهَا " ثَلَاث أكف " بِغَيْر التَّاء قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت الْكَفّ مُؤَنّثَة فَلم دخل التَّاء فِي الثَّلَاثَة (قلت) المُرَاد من الْكَفّ قدر الْكَفّ وَمَا فِيهَا فباعتباره دخلت أَو بِاعْتِبَار الْعُضْو (قلت) فِي الْجَواب الأول نظر وَالثَّانِي لَا بَأْس بِهِ وَالْأَحْسَن أَن يَقُول الْكَفّ يذكر وَيُؤَنث فَيجوز دُخُول التَّاء وَتَركه على الاعتبارين وَالْمرَاد أَنه يَأْخُذ فِي كل مرّة كفين لِأَن الْكَفّ اسْم جنس فَيجوز حمله على الِاثْنَيْنِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة اسحق ابْن رَاهَوَيْه من طَرِيق حسن بن صَالح عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ فِي آخر الحَدِيث (وَبسط يَدَيْهِ) وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث جُبَير بن مطعم الَّذِي فِي أول الْبَاب قَوْله " فيفيضها على رَأسه " وَفِي بعض النّسخ بِدُونِ على قَوْله " ثمَّ يفِيض " أَي المَاء (فَإِن قلت) لم لَا يكون مَفْعُوله الْمَحْذُوف ثَلَاثَة أكف بِقَرِينَة عطفه عَلَيْهِ (قلت) لِأَن الثَّلَاثَة الأكف لَا يَكْفِي لسَائِر جسده عَادَة قَوْله " كثير الشّعْر " أَي لَا يَكْفِي هَذَا الْقدر من المَاء فَقَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكثر شعرًا مِنْك وَقد كَفاهُ. وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز الِاكْتِفَاء بِثَلَاث غرف على الرَّأْس وَإِن كَانَ كثير الشّعْر وَفِيه تَقْدِيم ذَلِك على إفَاضَة المَاء على جسده وَفِيه الْحَث على السُّؤَال عَن أَمر الدّين من الْعلمَاء وَفِيه وجوب الْجَواب عِنْد الْعلم بِهِ وَفِيه دلَالَة على مُلَازمَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على ثَلَاثَة أكف فِي الْغسْل لِأَن لَفْظَة كَانَ تدل على الِاسْتِمْرَار
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْغسْل مرّة وَاحِدَة.
257 - حدّثنا مُوسَى قالَ حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسِ قالَ قالتْ مَيْمُونَةُ وَضَعْتُ للنَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء لِلْغَسْلِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ علَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ..
تكلّف ابْن بطال لتطبيق الحَدِيث على التَّرْجَمَة. فَقَالَ: مَوضِع التَّرْجَمَة من الحَدِيث فِي لفظ: (ثمَّ أَفَاضَ على جسده) وَلم يذكر: مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ، فَحمل على أقل مَا يُسمى غسلا، وَهُوَ: مرّة وَاحِدَة، وَالْعُلَمَاء أَجمعُوا على أَنه لَيْسَ الشَّرْط فِي الْغسْل إلاَّ الْعُمُوم والإسباغ لَا عددا من المرات قلت: فِي هَذَا الحَدِيث عشرَة أَحْكَام على مَا ترى فَمَا وَجه وضع التَّرْجَمَة على حكم وَاحِد مِنْهَا وَمَا ثمَّ زِيَادَة فَائِدَة يعم لَو ذكر تراجم لبَقيَّة الْأَحْكَام وَلم يبْق إلاَّ هَذَا لَكَانَ لَهُ وَجه وَهَذَا الحَدِيث وَاحِد، وَإِنَّمَا قِطْعَة لوضع التراجم على أَن قَوْلهَا: (ثمَّ أَفَاضَ) ، يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، فَتكون مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل النبوذكي، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْبَصْرِيّ. وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَهُوَ وَسَالم بن أبي الْجَعْد وكريب تقدمُوا فِي بَاب الْوضُوء قبل الْغسْل.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَالْقَوْل.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَالْأَرْبَعَة أَيْضا، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب: الْوضُوء قبل الْغسْل.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (فَغسل يَدَيْهِ) بالتثنية فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره (يَده) بِالْإِفْرَادِ قَوْله: (أَو ثَلَاثًا) الشَّك من مَيْمُونَة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: الشَّك من الْأَعْمَش، كَمَا سَيَأْتِي من رِوَايَة أبي عوَانَة عَنهُ وعقل الْكرْمَانِي فَقَالَ: الشَّك من مَيْمُونَة. قلت: هَذَا مر فِي بَاب من أفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله فِي الْغسْل، وَلَفظه: (فغسلهما مرّة أَو مرَّتَيْنِ) ، قَالَ سُلَيْمَان: لَا أَدْرِي أذكر الثَّلَاثَة أم لَا، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَلَكِن الشَّك هَاهُنَا بَين مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَهُنَاكَ بَين مرّة أَو مرَّتَيْنِ،