وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَيحيى بن يحيى، وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي الْأَحْوَص. وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة. ثَلَاثَتهمْ عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن النَّوْفَلِي عَن زُهَيْر بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَعَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى بن سعيد وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (أما أَنا فأفيض) بِضَم الْهمزَة من الْإِفَاضَة، وَهِي الإسالة. قَالَ الْكرْمَانِي: أما للتفصيل فَإِنِّي قسيمه؟ قتل: اقْتِضَاء القسيم غير وَاجِب، وَلَئِن سلمنَا فَهُوَ مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق روى مُسلم فِي صَحِيحه (أَن الصَّحَابَة تماروا فِي صفة الْغسْل عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أما أَنا فأفيض) أَي: وَأما غَيْرِي فَلَا يفِيض، أَو فَلَا أعلم حَاله كَيفَ يعلم، وَنَحْوه. انْتهى قلت: التَّحْقِيق وَفِي هَذَا الْموضع أَن كلمة أما بِالْفَتْح والتشدي حرف شَرط وتفصيل وتوكيد، وَالدَّلِيل على الشَّرْط لُزُوم الْفَاء بعْدهَا، نَحْو {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق} (سُورَة الْبَقَرَة: 26) وَالتَّفْصِيل نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وأمَّا السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين وَأما الْغُلَام وَأما الْجِدَار} (سُورَة الْكَهْف: 79، 80) وَأما التوكيد فقد ذكره الزَّمَخْشَرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَائِدَة أمَّا فِي الْكَلَام أَن تعطيه فضل توكيد تَقول: زيد ذَاهِب قصدت ذَلِك، وَإنَّهُ لَا محَالة ذَاهِب وَإنَّهُ بصدد الذّهاب وَإنَّهُ مِنْهُ فَإِذا عَزِيمَة قلت: أمَّا زيد فذاهب وَهنا أَيْضا للتَّأْكِيد فَلَا حَاجَة إِلَى القسيم، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال: إِنَّه مَحْذُوف وأمَّا الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فَهُوَ من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن إِسْحَاق (تماروا فِي الْغسْل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ بعض الْقَوْم: أمَّا أَنا فأغسل رَأْسِي بِكَذَا وَكَذَا) فَذكر الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا هُوَ القسيم الْمَحْذُوف. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا لِأَن الْوَاجِب أَن يُعْطي حق كل كَلَام بِمَا يَقْتَضِيهِ، الْحَال فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير شَيْء من حَدِيث رُوِيَ من طَرِيق، لأجل حَدِيث آخر فِي بَابه من طَرِيق آخر. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث أكف، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَالْمعْنَى: ثَلَاث حفنات كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بملء الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا، وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده: (فآخذ ملْء كفي ثَلَاثًا فأصب على رَأْسِي) وَمَا رَوَاهُ أَيْضا عَن أبي هرير: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب بِيَدِهِ على رَأسه ثَلَاثًا) وَفِي (مُعْجم) الْإِسْمَاعِيلِيّ: (إِن وَفد ثَقِيف سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن أَرْضنَا بَارِدَة فَكيف نَفْعل فِي الْغسْل؟ فَقَالَ: فأفرغ على رَأْسِي ثَلَاثًا) وَفِي (أَوسط) الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا: (تفرغ بيمينك على شمالك، ثمَّ تدخل يدك فِي الْإِنَاء فتغسل فرجك وَمَا أَصَابَك ثمَّ تَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ تفرغ على رَأسك ثَلَاث مَرَّات، تدلك رَأسك كل مرّة) وَقَالَ الدودي: الحفنة بِالْيَدِ الْوَاحِد. وَقَالَ غَيره: باليدين جَمِيعًا والْحَدِيث الْمَذْكُور يدل عَلَيْهِ، والحثية بِالْيَدِ الْوَاحِدَة، وَبِمَا ذكرنَا سقط قَول بَعضهم: إِن لَفظه ثَلَاثًا، مُحْتَملَة للتكرار، ومحتملة لِأَن يكون للتوزيع على جَمِيع الْبدن، قَوْله: (وَأَشَارَ بيدَيْهِ) من كَلَام جُبَير بن مطعم، أَي: أَشَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيدَيْهِ الثِّنْتَيْنِ، كَمَا قُلْنَا: إِن كل حفْنَة ملْء الْكَفَّيْنِ. قَوْله: (كلتيهما) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني كِلَاهُمَا. وَحكى ابْن التِّين فِي بعض الرِّوَايَات (كلتاهما) . قلت: كَون كلا وكلتا عِنْد إِضَافَته إِلَى الضَّمِير فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة بِالْألف لُغَة من يراهما تَثْنِيَة وَإِن التَّثْنِيَة لَا تَتَغَيَّر كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:

(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غابتاها)

وَأما وَجه رِوَايَة الْكشميهني كِلَاهُمَا بِدُونِ التَّاء فبالنظر إِلَى اللَّفْظ دون الْمَعْنى.

ويستنبط مِنْهُ أَن الْمسنون فِي الْغسْل أَن يكون ثَلَاث مَرَّات، وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْعلمَاء. وَأما الْفَرْض مِنْهُ فَغسل سَائِر الْبدن بِالْإِجْمَاع، وَفِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق خلاف مَشْهُور. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة إستحباب صب المَاء على الرَّأْس ثَلَاثًا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَألْحق بِهِ أَصْحَابنَا سَائِر الْجَسَد قِيَاسا على الرَّأْس، وعَلى أَعْضَاء الْوضُوء، وَهُوَ أولى بِالثلَاثِ من الْوضُوء فَإِن الْوضُوء مَبْنِيّ على التَّخْفِيف مَعَ تكراره، فَإِذا اسْتحبَّ فِيهِ الثَّلَاث فالغسل أولى. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا إلاَّ مَا تفرد بِهِ الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ: لَا يسْتَحبّ التّكْرَار فِي الْغسْل وَهُوَ شَاذ مَتْرُوك، ورد عَلَيْهِ بِأَن الشَّيْخ أباعلي السنجي قَالَه أَيْضا ذكره فِي (شرح الْفُرُوع) فَلم ينْفَرد بِهِ، وَنقل ابْن التِّين عَن الْعلمَاء أَنه يحْتَمل أَن يكون هَذَا على مَا شرع فِي الطَّهَارَة من التّكْرَار وَأَن يكون التَّمام الطَّهَارَة، لِأَن الغسلة الْوَاحِدَة لَا تجزىء فِي اسْتِيعَاب غسل الرَّأْس. قَالَ: وَقيل: ذَلِك مُسْتَحبّ، وَمَا أسغ أَجْزَأَ، وَكَذَا قَالَ ابْن بطال: الْعدَد فِي ذَلِك مُسْتَحبّ عِنْد الْعلمَاء، وَمَا هم وأسبغ أَجْزَأَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015