وَمِنْهَا: النّوم على الشق الْأَيْمن لِأَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يحب التَّيَامُن، وَلِأَنَّهُ أسْرع إِلَى الانتباه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأَقُول: وَإِلَى انحدار الطَّعَام كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي الْكتب الطّيبَة. قلت: الَّذِي ذكره الْأَطِبَّاء خلاف هَذَا فَإِنَّهُم قَالُوا النّوم على الْأَيْسَر روح للبدن وَأقرب إِلَى انهضام الطَّعَام، وَلَكِن اتِّبَاع السّنة أَحَق وَأولى. وَمِنْهَا: ذكر الله تَعَالَى لتَكون خَاتِمَة عمله ذَلِك اللَّهُمَّ اختم لنا بِالْخَيرِ.
بِسم الله الرحمن الرَّحِيم
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْغسْل، هُوَ بِضَم الْغَيْن لِأَنَّهُ اسْم للاغتسال، وَهُوَ: إسالة المَاء وإمراه على الْجِسْم، وبفتح الْغَيْن مصدر. وَفِي (الْمُحكم) غسل الشَّيْء يغسلهُ غسلا وغسلاً، وَهَذَا لم يفرق بَين الْفَتْح وَالضَّم وَجعل كِلَاهُمَا مصدرا وَغَيره يَقُول بِالْفَتْح مصدر، وبالضم اسْم، وبالكسر اسْم لما يَجْعَل مَعَ المَاء كالأسنان وَنَحْوه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: بَاب الْغسْل وَهَذَا أوجه لِأَن الْكتاب يجمع الْأَنْوَاع وَالْغسْل نوع وَاحِد من أَنْوَاع الطَّهَارَة وَإِن كَانَ فِي نَفسه يَتَعَدَّد: وَكَذَا حذفت الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره الْبَسْمَلَة. ثمَّ كتاب الْغسْل. ثمَّ إِنَّه لما فرغ من بَيَان الطَّهَارَة الصُّغْرَى بأنواعها شرع فِي بَيَان الطَّهَارَة الْكُبْرَى بأنواعها، وَتَقْدِيم الصُّغْرَى ظَاهر لِكَثْرَة دوراتها بِخِلَاف الْكُبْرَى.
وَقَول اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ كُنْتُمْ جُنُباً فاطَّهَّرُوا وَإِنْ تتُمْ مَرْضَى إِوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعيِداً طَيِباً فامْسَحُوا بِوُوجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يِرِيدُ اللَّهُ ليَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدْ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَلَلَّكُمْ تَشْكَرُونَ} . وقوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ علَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءَ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِباً فامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إنَّ اللَّهَ كانَ عَفُواً غَفُوراً} (سُورَة النِّسَاء: 43) .
افْتتح كتاب الْغسْل بالآيتين الكريمتين إشعاراً بِأَن وجوب الْغسْل على الْجنب بِنَصّ الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} (سُورَة الْمَائِدَة: 6) أَي: إغسلوا أبدانكم على وَجه الْمُبَالغَة، وَالْجنب يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث لِأَنَّهُ اسْم جرى مجْرى الْمصدر الَّذِي هُوَ الإجناب، يُقَال: أجنب يجنب إجناباً، والجنابة الِاسْم، وَهُوَ فِي اللُّغَة الْبعد، وَسمي الْإِنْسَان جنبا لِأَنَّهُ نهي أَن يقرب من مَوَاضِع الصَّلَاة مَا لم يتَطَهَّر، وَيجمع على أجناب وجنبين. وَقَوله: {فاطهروا} الْقَاعِدَة تَقْتَضِي أَن يكون أَصله، تطهروا فَلَمَّا قصدُوا الْإِدْغَام قلبت التَّاء طاء فأدغم فِي الطَّاء، واجتلبت همزَة الْوَصْل، وَمَعْنَاهُ: طهروا أبدانكم. قلت: أَصله من بَاب التفعل ليدل على التَّكَلُّف والاعتمال، وَكَذَلِكَ بَاب الافتعال يدل عَلَيْهِ، نَحْو: اطهر أَصله من: طهر يطهر، فَنقل طهر، إِلَى بَاب الافتعال، فَصَارَ: أطهر، على وزن افتعل فقلبت التَّاء طاء وأدغمت الطَّاء فِي الطَّاء وَفِيه من التَّكَلُّف مَا لَيْسَ فِي طهر، وَتَمام الْآيَة {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون} (سُورَة النِّسَاء:) وفيهَا من الْأَحْكَام مَا استنبط مِنْهَا الْفُقَهَاء على مَا عرف فِي مَوْضِعه.
وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي سُورَة النِّسَاء. {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إلاَّ عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ إِن الله كَانَ عفوا غَفُورًا} (سُورَة النِّسَاء: 2) قَوْله: {وَلَا جنبا