بِهِ الْأَسْنَان من الْعود والتذكير أَكثر، وَهُوَ نفس الْعود الَّذِي يستاك بِهِ، وَأَصله الْمَشْي الضَّعِيف يُقَال: جَاءَت الْغنم وَالْإِبِل تستاك هزالًا أَي: لَا تحرّك رؤسها وَفِي (الصِّحَاح) بِجمع على سوك مثل: كتاب وَكتب، وَيُقَال: ساك فَمه، وَإِذا لم يذكر الْفَم يُقَال: استاك وَهَاهُنَا سؤالان. الأول: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله؟ . وَالثَّانِي: مَا وَجه مَا ذكره بَين الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَاهُنَا؟ . الْجَواب عَن الأول: أَن كلاًّ مِنْهُمَا يشْتَمل على الأزالة غير أَن الْبَاب الأول يشْتَمل على إِزَالَة الدَّم، وَهَذَا الْبَاب يشْتَمل على إِزَالَة رَائِحَة الْفَم، وَهَذَا الْقدر كَاف. وَعَن الثَّانِي: ظَاهر، وَهُوَ أَن الْأَبْوَاب كلهَا فِي أَحْكَام الْوضُوء، وَإِزَالَة النَّجَاسَات وَنَحْوهَا، وَبَاب السِّوَاك من أَحْكَام الْوضُوء عِنْد الْأَكْثَرين.
وقالَ ابنُ عَبَّاسِ بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْنَن
هَذَا التَّعْلِيق لَيْسَ فِي رِوَايَة المستعلي، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل فِي قصَّة مبيت عبد الله بن عَبَّاس عِنْد خَالَته مَيْمُونَة، أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ليشاهد صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ وَصله البُخَارِيّ من طرق، وَتقدم بعضه وَيَأْتِي الْبَاقِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (فاستن) من الاستنان، وَهُوَ الاستياك، وَهُوَ ذَلِك الْأَسْنَان وَحكمهَا بِمَا يجلوها، مَأْخُوذ من السن، وَهُوَ إمرار الشَّيْء الَّذِي فِيهِ خشونة على شَيْء آخر، وَمِنْه المسن الَّذِي يشحذ بِهِ الْحَدِيد، وَنَحْوه وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الاستنان: اسْتِعْمَال السِّوَاك، افتعال من الْأَسْنَان وَهُوَ الإمرار على شَيْء.
244 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ قَالَ حدّثنا حَمَّادْ بنْ زَيْدٍ عنْ غَيْلانَ بن جَرِيرٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبيهِ قَالَ أتَيْتُ النَّبيِّ لله فَوَجَدْتَهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ اعْ أُعْ والسِّوَاكُ فِي فِيهِ كأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان، بِضَم النُّون. مُحَمَّد بن الْفضل الْمَشْهُور بعارم، تقدم فِي آخر كتاب الْإِيمَان. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد، تقدم فِي بَاب الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة. الثَّالِث: غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَسُكُون الْيَاء آخرالحروف. ابْن جرير، بِفَتْح الْجِيم وبالراء الْمَكْسُورَة المكررة، المعولي، بِسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو، وَأما الْمِيم فَقَالَ الغسائي: بِفَتْحِهَا مَنْسُوبا إِلَى بطن من الأزد، وَقَالَ ابْن الْأَثِير بِكَسْرِهَا، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة. الرَّابِع: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر. الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ابْن عبد الله بن قيس، وَقد تقدم ذكرهمَا فِي بَاب: أَي الْإِسْلَام أفضل.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي، وَأَبُو بردة الْكُوفِي القَاضِي بكوفة، وَقيل: اسْمه الْحَارِث.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ هُنَا، وَقَوله: (أعْ أُعْ) من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن حبيب، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأبي الرّبيع وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن عَبدة، خمستهم عَن حَمَّاد بن زيد.
بَيَان لغته وَإِعْرَابه وَتَفْسِير: الاستنان، قد مر قَوْله: (أَعْ أُعْ) ، بِضَم الْهمزَة وبالعين الْمُهْملَة، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَذكر ابْن التِّين أَن غَيره رَوَاهُ بِفَتْح الْهمزَة، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة عَن أَحْمد بن عَبدة عَن حَمَّاد بِتَقْدِيم الْعين على الْهمزَة، وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن عَارِم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ، وَعَن أبي دَاوُد (أَهْ أُهْ) ، بِضَم الْهمزَة وَقيل: بِفَتْحِهَا وَالْهَاء سَاكِنة وَعند ابْن خُزَيْمَة (عاعا) وَفِي (صَحِيح الجوزقي) (أَحْ أُحْ) بِكَسْر الْهمزَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَفِي (مُسْند أَحْمد) (وَاضع طرف السِّوَاك على لِسَانه يستن إِلَى فَوق) فوصفه حَمَّاد (كَانَ يرفع لِسَانه) ووضفه غيلَان (كَانَ يستن طولا) وَكلهَا عبارَة عَن إبلاغ السِّوَاك إِلَى أقْصَى الْحلق، اع فِي الأَصْل حِكَايَة الصَّوْت، وَفِي بعض النّسخ: بالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (يتهواع) أَي: يتقيأ، وَهُوَ من بَاب التفعل الَّذِي للتكلف، يُقَال: هاع يهوع إِذا قاء من غير تكلّف، فَإِذا تكلّف يُقَال تهوع. وَفِي (الموعب) هاع الرجل يهوع هوعاً وهواعاً، جَاءَ القييء من غير تكلّف، وَأنْشد:
(مَا هاعَ عمروٌ حِين أَدخل حلقه ... يَا صَاح، ريش حمامة، بل قاءَ)