النَّاس بَيَان حَاله وهم ثَلَاثَة: الأول: عُرْوَة بن الزبير التَّابِعِيّ، فَقِيه الْمَدِينَة، تقدم فِي كتاب الْوَحْي. الثَّانِي: الْمسور، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وبالراء، ابْن مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء، الصَّحَابِيّ، تقدم فِي بَاب اسْتِعْمَال وضوء النَّاس. الثَّالِث: مَرْوَان بن الحكم بِفَتْح الْخَاء الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف، الْأمَوِي، ولد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ خرج إِلَى الطَّائِف طفْلا لَا يعقل حِين نفى النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَبَاهُ الحكم إِلَيْهَا، وَكَانَ مَعَ أَبِيه بهَا حَتَّى اسْتخْلف عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فردهما إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ إِسْلَام الحكم يَوْم فتح مَكَّة، وطرده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الطَّائِف لِأَنَّهُ كَانَ يفشي سره، مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان، وَلما توفّي مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة بَايع بعض النَّاس بِالشَّام مَرْوَان بالخلافة، وَمَات بِدِمَشْق سنة خَمْسَة وَسِتِّينَ. فَإِن قلت: مَرْوَان لم يسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كَانَ بِالْحُدَيْبِية، وَكَيف روايتة. قلت: رِوَايَة الْمسور هِيَ الأَصْل لَكِن ضم إِلَيْهِ رِوَايَة مَرْوَان للتقوية والتأكيد.

ذكر لغاته قَوْله: (زمن حديبية) بِضَم الْخَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْيَاء الثَّانِيَة كَذَا قَالَه الشَّافِعِي: وبتشديد الْيَاء عِنْد أَكثر الْمُحدثين، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: أهل الْمَدِينَة يثقلونها، وَأهل العراف يخففونها قلت: هِيَ تَصْغِير: حدباء لِأَن حديبية قَرْيَة سميت بشجرة هُنَاكَ وَهِي حدباء وَكَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت هَذِه الشَّجَرَة، وَهِي تسمى: بيعَة الرضْوَان، وَقيل: هِيَ قَرْيَة، سميت ببئر هُنَاكَ، وعَلى كلاًّ التَّقْدِيرَيْنِ الصَّوَاب التَّخْفِيف، وَهِي على نَحْو مرحلة من مَكَّة. قَوْله: (وَمَا تنخم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخامة) قَوْله: (تنخم) فعل مَاض من بَاب التفعل، يُقَال: تنخم الرجل إِذا دفع بِشَيْء من صَدره أوأنفه، قَالَ فِي (الْمُحكم) وَثَلَاثَة نخم نخماً وَفِي (الصِّحَاح) وَفِي (الْمُجْمل) : النخامة بالفم النخاعة، وَفِي (المغيث) و (الْمغرب) مَا يخرج من الخيشوم، وَزعم النَّوَوِيّ أَنَّهَا تخرج من الْفَم، بِخِلَاف النخاعة فَإِنَّهَا تخرج من الْحلق. وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء النخامة هِيَ الْخَارِج من الصَّدْر، والبلغم هُوَ النَّازِل من الدِّمَاغ، وَبَعْضهمْ عكسوا. قَوْله: (إِلَّا وَقعت) أَي: مَا تنخم فِي حَال من الْأَحْوَال إلاَّ فِي حَال وُقُوعهَا فِي الْكَفّ، وَهُوَ إِمَّا عطف على: خرج، وَأما على الحَدِيث، ثمَّ إِمَّا أَن يُرَاد: أَنه مَا تنخم من الْحُدَيْبِيَة إلاَّ وَقعت فِي كف رجل، وَإِمَّا أَن يُرَاد إِنَّه مَا تنخم قطّ إلاَّ وَقعت فَلَا يخْتَص بِزَمن الْحُدَيْبِيَة. قَالَ الْكرْمَانِي، وَالْأول هُوَ الظَّاهِر. قلت: الثَّانِي هُوَ الْأَظْهر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر حَدِيث الْحُدَيْبِيَة هُنَا. قلت: إِمَّا لِأَن أَمر التنخم وَقع فِي الحَدِيث، وَإِمَّا لِأَن الرَّاوِي سَاق الْحَدِيثين سوقاً وَاحِدًا وذكرهما مَعًا وَكَثِيرًا مَا يَفْعَله المحدثون، كَمَا تقدم فِي حَدِيث نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ، قلت لم يقطع الْكرْمَانِي على الْموضع الَّذِي سَاق البُخَارِيّ فِيهِ الحَدِيث، فَلذَلِك ردد فِي جَوَاب السُّؤَال فَلَو كَانَ أطلع عَلَيْهِ لم يتَرَدَّد.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: الِاسْتِدْلَال على طَهَارَة البصاق والمخاط قَالَ ابْن بطال: وَهُوَ أَمر مجمع عَلَيْهِ لَا نعلم فِيهِ خلافًا إلاَّ مَا لاوي سلمَان: أَنه جعله غير طَاهِر، وَأَن الْحسن بن حَيّ كرهه فِي الثَّوْب، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه كره أَن يدْخل سواكه فِي وضوئِهِ، وَذكر ابْن أبي شيبَة أَيْضا فِي (مُصَنفه) عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، أَنه لَيْسَ بِطهُور. وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ عَن سلمَان الْفَارِسِي وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن اللعاب نجس إِذا فَارق الْفَم، وَقَالَ بعض الشُّرَّاح. وَمَا ثَبت عَن الشَّارِع من خلافهم فَهُوَ المتبع، وَالْحجّة الْبَالِغَة، فَلَا معنى لقَوْل من خَالف وَقد أَمر الشَّارِع الْمُصَلِّي أَن يبزق عَن شِمَاله أَو تَحت قَدَمَيْهِ، وبزق الشَّارِع فِي طرف رِدَائه ثمَّ رد بعضه على بعض وَقَالَ: أَو تفعل هَكَذَا وَهَذَا ظَاهر فِي طَهَارَته، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يقوم الْمُصَلِّي على نَجَاسَة، وَلَا أَن يُصَلِّي وَفِي ثَوْبه نَجَاسَة. قلت: أما بصاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أطيب من كل طيب، وأطهر من كل طَاهِر وَأما بصاق غَيره فَيَنْبَغِي أَن يكون بالتفصيل، وَهُوَ أَن البزاق طَاهِر إِذا كَانَ من فَم طَاهِر، وَأما إِذا كَانَ من فَم يشرب الْخمر فَيَنْبَغِي أَن يكون نجسا فِي حَالَة شربه، لِأَنَّهُ سؤره فِي ذَلِك الْوَقْت نجس، فَكَذَلِك بصاقه، وَكَذَا إِذا كَانَ من فَم من فِي فَمه جِرَاحَة أَو دمل يخرج مِنْهُ دم أَو قيح. وَقَالَ أَصْحَابنَا الدَّم الْمسَاوِي للريق ينْقض الْوضُوء اسْتِحْسَانًا كالغالب النَّاقِص، وَلَو كَانَ لون الرِّيق أَحْمَر ينْقض، وَإِن كَانَ أصفر لَا ينْقض، ثمَّ إِذا حكم بِطَهَارَة البزاق على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ يعلم مِنْهُ أَنه إِذا وَقع شَيْء مِنْهُ فِي المَاء لَا يُنجسهُ، وَيجوز الْوضُوء مِنْهُ، وَكَذَا إِذا وَقع فِي الطَّعَام لَا يُفْسِدهُ، غير أَن بعض الطباع يستقذر ذَلِك فَلَا يَخْلُو عَن الْكَرَاهَة. وَمن الاستنباط من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015