فَكيف ننصره ظَالِما؟ قَالَ: تَأْخُذ فَوق يَده
قَوْله: أَفَرَأَيْت أَي: أَخْبرنِي وَالْفَاء عاطفة على مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَفِيه نَوْعَانِ من الْمجَاز أطلق الرُّؤْيَة وَأَرَادَ، الْإِخْبَار، وَأطلق الِاسْتِفْهَام وَأَرَادَ الْأَمر، والعلاقتان ظاهرتان، وَكَذَا الْقَرِينَة. قَوْله إِذا كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ أَي: كَيفَ أنصره على ظلمه؟ قَوْله: تحجزه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالزَّاي: تَمنعهُ، ويروى: تحجره بالراء مَوضِع الزَّاي من الْحجر وَهُوَ الْمَنْع. قَوْله: أَو تَمنعهُ شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فَإِن ذَلِك أَي: مَنعه عَن الظُّلم نَصره
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْحِيَل وَهُوَ جمع حِيلَة وَهِي مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَقْصُود بطرِيق خَفِي. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْحِيلَة بِالْكَسْرِ اسْم من الاحتيال. ذكره فِي فصل الْيَاء. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ من الْوَاو: وَيُقَال هُوَ أُحِيل مِنْك وأحول مِنْك أَي: أَكثر حِيلَة، وَمَا أحيله لُغَة فِيمَا أحوله.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيَل، قيل: أَشَارَ بِلَفْظ التّرْك إِلَى دفع توهم جَوَاز الْحِيَل فِي التَّرْجَمَة الأولى. قلت: التَّرْجَمَة الأولى بعمومها تتَنَاوَل الْحِيلَة الْجَائِزَة وَالْحِيلَة الْغَيْر الْجَائِزَة، وأطلقها لِأَن من الْحِيَل مَا لَا يمْنَع مِنْهَا، وَفِي هَذِه التَّرْجَمَة بيَّن أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التّرْك.
وأنَّ لِكلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَي فِي الأَيْمانِ وغَيْرِهَا.
أَي: هَذَا فِي بَيَان أَن لكل امرىء مَا نوى، وَهَذَا قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَأَيْضًا مضى فِي أول الْكتاب. وَهُوَ قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى الحَدِيث. وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قَوْله: فِي الْأَيْمَان وَغَيرهَا من كَلَام البُخَارِيّ، والأيمان بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين. قَوْله: وَغَيرهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قيل: وَجه ذَلِك إِرَادَة الْيَمين المستفادة من الْأَيْمَان، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَهَذَا الحَدِيث مَحْمُول على الْعِبَادَات، وَالْبُخَارِيّ عمم فِي ذَلِك بِحَيْثُ يشْتَمل كَلَامه على الْمُعَامَلَات أَيْضا.
6953 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ يَحْياى بنِ سَعيد، عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَلْقَمَة بنِ وقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِي الله عَنهُ، يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يَا أيُّها النَّاسُ إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لاِمْرِىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسولِهِ، ومَنْ هاجَرَ إِلَى دُنيا يُصِيبُها، أوِ امْرأةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إليْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مهَاجر أم قيس جعل الْهِجْرَة حِيلَة فِي تَزْوِيج أم قيس.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. وَقد شرحت هَذَا الحَدِيث فِي أول الْكتاب لم يشْرَح أحد مثله من الشُّرَّاح الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بِإِبْطَال الْحِيَل، وَمن قَالَ بإعمالها لِأَن مرجع كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى نِيَّة الْعَامِل. وَفِي الْمُحِيط كتاب الْحِيَل ومشروعيته بقوله تَعَالَى فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وَهِي الْفِرَار والهروب عَن الْمَكْرُوه، والاحتيال للهروب عَن الْحَرَام والتباعد عَن الْوُقُوع فِي الآثام لَا بَأْس بِهِ، بل هُوَ