فَوَجَبَ تَركه لاضطرابه ولوجود عمل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ. قلت: رد عَلَيْهِ بِأَن عبد الرحمان ثِقَة صرح بِسَمَاعِهِ وإبهام الصَّحَابِيّ لَا يضر، وَقد اتّفق الشَّيْخَانِ على تَصْحِيحه وهم الْعُمْدَة فِي الصَّحِيح وَلَا يضر هَذَا الِاخْتِلَاف عِنْدهمَا فِي صِحَة الحَدِيث لِأَنَّهُ كَيفَ مَا دَار يَدُور على ثِقَة، وَحَاصِل الِاخْتِلَاف هَل هُوَ صَحَابِيّ مُبْهَم أَو مُسَمّى؟ فالراجح الثَّانِي، وإبهام الصَّحَابِيّ أَيْضا لَا يضر، فالراجح أَنه أَبُو بردة بن نيار، وَهل بَين عبد الرحمان وَأبي بردة وَاسِطَة وَهُوَ أَبوهُ جَابر أَو لَا؟ . فالراجح هُوَ الثَّانِي أَيْضا.
قَوْله: إِلَّا فِي حد من حُدُود الله ظَاهره أَن المُرَاد بِالْحَدِّ مَا ورد فِيهِ من الشَّارِع عدد من الْجلد أَو الضَّرْب الْمَخْصُوص أَو عُقُوبَة، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ حق الله، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ هَاهُنَا الْحُقُوق الَّتِي هِيَ أوَامِر الله تَعَالَى ونواهيه وَهِي المُرَاد بقوله: وَفِي آيَة أُخْرَى وَقَالَ: وَقَالَ: وَمعنى الحَدِيث: لَا يُزَاد على الْعشْر فِي التأديبات الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِمَعْصِيَة: كتأديب الْأَب وَلَده الصَّغِير، وَقيل: يحْتَمل أَن يفرق بَين مَرَاتِب الْمعاصِي، فَمَا ورد فِيهِ تَقْدِير لَا يُزَاد عَلَيْهِ، وَمَا لم يرد فِيهِ التَّقْدِير فَإِن كَانَ كَبِيرَة جَازَت الزِّيَادَة فِيهِ، وَكَانَ مَالك يرى الْعقُوبَة بِقدر الذَّنب، وَيرى ذَلِك موكولاً إِلَى اجْتِهَاد الْأَئِمَّة وَإِن جَاوز ذَلِك الْحَد. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لم يبلغ مَالِكًا هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْقصار: لما كَانَ طَرِيق التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام على حسب مَا يغلب على ظَنّه أَنه يردع بِهِ، وَكَانَ فِي النَّاس من يردعه الْكَلَام وَفِيهِمْ من لَا يردعه مائَة سَوط، وَهِي عِنْده كضرب الْمُزَوجَة، فَلم يكن للتحديد فِيهِ معنى وَكَانَ مفوضاً إِلَى مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِأَن يردع مثله. وَقَالَ الْمُهلب: ألاّ يرى أَن سيدنَا رَسُول الله زَاد المواصلين فِي النكال؟ فَكَذَلِك يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِيهِ على حسب اجْتِهَاده، فَيجب أَن يضْرب كل وَاحِد على قدر عصيانه للسّنة ومعاندته أَكثر مِمَّا يضْرب الْجَاهِل، وَلَو كَانَ فِي شَيْء من ذَلِك حد، لم يجز خِلَافه. وَقَالَ ابْن حزم: الْحَد فِي سَبْعَة أَشْيَاء: الرِّدَّة، والحرابة قبل أَن يقدر عَلَيْهِ، والزنى، وَالْقَذْف بِالزِّنَا، وَشرب الْمُسكر أسكر أم لم يسكر، وَالسَّرِقَة، وَجحد الْعَارِية. وَأما سَائِر الْمعاصِي فَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِير فَقَط وَهُوَ الْأَدَب. وَمن الْأَشْيَاء الَّتِي رأى فِيهَا قوم من الْمُتَقَدِّمين حدا وَاجِبا: السكر وَالْقَذْف بِالْخمرِ والتعريض وَشرب الدَّم وَأكل الْخِنْزِير وَالْميتَة وَفعل قوم لوط وإتيان الْبَهِيمَة وسحق النِّسَاء وَترك الصَّلَاة غير جَاحد لَهَا وَالْفطر فِي رَمَضَان وَالسحر.
6849 - ح دّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حدّثنا فضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا مُسْلِمُ بنُ أبي مَرْيَمَ، حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ عَمَّنْ سَمَعَ النبيَّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْر ضَرَبات إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
انْظُر الحَدِيث 6848 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن فُضَيْل تَصْغِير فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم السّلمِيّ الْمَدِينِيّ عَن عبد الرحمان بن جَابر بن عبد الله عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله: عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْهَم وَلَكِن لَا يضر إِبْهَام الصَّحَابِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد سَمَّاهُ أَبُو حَفْص بن ميسرَة فَقَالَ: عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن رجل من الْأَنْصَار. وَقَوله: عَن رجل من الْأَنْصَار، يحْتَمل أَن يكون أَبَا بردة، وَيحْتَمل أَن يكون جَابر بن عبد الله، لِأَن كلّاً من أبي بردة وَجَابِر بن عبد الله أَنْصَارِي.
6850 - حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابنُ وَهْبٍ أَخْبرنِي عَمْرٌ وَأَن بُكَيْراً حدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَما أَنا جالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، إذْ جاءَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمان بنَ يَسارٍ، ثمَّ أقْبَلَ عَليْنا سُلَيْمانُ بنُ يَسارٍ، فَقَالَ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأنْصاريَّ