عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالسُّديّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، إلاَّ أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا جَاءَت الْمَرْأَة وَالزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحكم بَينهمَا بِالْعَدْلِ، وَإِن جَاءَت الْمَرْأَة وَحدهَا وَلم يرض الزَّوْج لم يحكم، وَقَالَ صَاحِبَاه: يحكم، وَكَذَا اخْتلف أَصْحَاب مَالك، وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِي الْيَهُودِيين من أهل الذِّمَّة إِذا زَنَيَا: هَل يرجمان إِن رفعهم حكامهم إِلَيْنَا أم لَا؟ فَقَالَ مَالك: إِذا زنى أهل الذِّمَّة وَشَرِبُوا الْخمر فَلَا يتَعَرَّض لَهُم الإِمَام إلاَّ أَن يظهروا ذَلِك فِي ديار الْمُسلمين فَيدْخلُونَ عَلَيْهِم الضَّرَر فيمنعهم السُّلْطَان من الضَّرَر بِالْمُسْلِمين قَالَ مَالك: وَإِنَّمَا رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اليهودين لِأَنَّهُ لم يكن للْيَهُود يومئذٍ ذمَّة، وتحاكموا إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: يحدان إِذا زَنَيَا كَحَد الْمُسلمين، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الرَّجْم الَّذِي وَقع فِي قَضِيَّة مَاعِز بن مَالك كَانَ بالمصلى أَي: مصلى الْجَنَائِز، ويوضحه مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ببقيع الْغَرْقَد، وَاعْترض ابْن بطال وَابْن التِّين على هَذَا التَّبْوِيب بِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ، لِأَن الرَّجْم فِي الْمصلى وَغَيره من سَائِر الْمَوَاضِع سَوَاء. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ ذكر ذَلِك لوُقُوعه مَذْكُورا فِي حَدِيث الْبَاب، وَقيل: معنى: بالمصلى، أَي عِنْد الْمصلى، لِأَن المُرَاد الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي عِنْده الْعِيد والجنائز، وَهُوَ من نَاحيَة بَقِيع الْغَرْقَد، وَقد وَقع فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم: فَأمرنَا أَن نرجمه فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد، وَفهم عِيَاض من قَوْله: بالمصلى، أَن الرَّجْم وَقع فِي دَاخل الْمصلى.
قلت: كَأَنَّهُ فهم ذَلِك من الْبَاء الظَّرْفِيَّة، فعلى هَذَا لَيْسَ لمصلى الأعياد والجنائز حكم الْمَسْجِد، وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ حكم الْمَسْجِد، لِأَن الْبَاء فِيهِ بِمَعْنى عِنْد كَمَا ذكرنَا، وَفِيه نظر.
0286 - حدّثنا مَحْمُودٌ حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ جابِرٍ أنَّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ جاءَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعْتَرَفَ بالزِّنا، فأعْرَضَ عَنْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى شَهدَ على نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أبِكَ جُنُونٌ؟) قَالَ: لَا قَالَ: (آحْصَنْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ. فأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ فَرَّ فأُدْرِكَ فَرُجِمَ حتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْراً وصَلَّى عَلَيْهِ.
لَمْ يَقُلْ يُونُسُ وابنُ جُرَيْجٍ عنْ الزُّهْرِيِّ: فَصَلَّى عَلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فرجم بالمصلى) ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة الْمروزِي، وَأكْثر البُخَارِيّ عَنهُ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه.
قَوْله: (حَدثنَا مَحْمُود) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنِي، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، بِذكر أَبِيه صَرِيحًا. قَوْله: (أَن رجلا من أسلم) اسْمه مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ، وَقد مر هَكَذَا فِي حَدِيث جَابر أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب رجم الْمُحصن، وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي مَضَت فرجم بالمصلى. قَوْله: (فَلَمَّا أذلقته) أَي: أقلقته، وَقد مر عَن قريب. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خيرا) أَي: ذكره بجميل. وَوَقع فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عِنْد مُسلم: فَكَانَ النَّاس فِيهِ. أَي: فِي مَاعِز فرْقَتَيْن فَقَائِل يَقُول: لقد هلك لقد أحاطت بِهِ خطيئته، وَقَائِل يَقُول: مَا تَوْبَة أفضل من تَوْبَة مَاعِز؟ الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت بَين أمة لوسعتهم. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد النَّسَائِيّ: لقد رَأَيْته بَين أَنهَار الْجنَّة ينغمس قَالَ: يَعْنِي يتنعم وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد أبي عوَانَة لقد رَأَيْته يتخضخض فِي أَنهَار الْجنَّة، وَفِي حَدِيث اللجاج عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: لَا تقل لَهُ خَبِيث، لَهو عِنْد الله أطيب من ريح الْمسك وَفِي حَدِيث أبي ذَر عِنْد أَحْمد: قد غفر لَهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة.
قَوْله: (وَصلى عَلَيْهِ) هَكَذَا وَقع هُنَا عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رَوَاهُ ثَمَانِيَة أنفس عَن عبد الرَّزَّاق فَلم يذكرُوا قَوْله: (فصلى