أَبِيه عَن ابْن عمر ... الخ. وَأخرجه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا.
قَوْله: (أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام تزاد فِي أول الْكَلَام للتّنْبِيه لما يُقَال، وَقد ذكر هُنَا سؤالاً وجواباً. قَوْله: (أَي شهر؟) قَالَ ابْن التِّين: أَي: هُنَا مَرْفُوعَة وَيجوز نصبها وَالِاخْتِيَار الرّفْع. قَوْله: (يونا هَذَا) يَعْنِي: يَوْم النَّحْر، قيل: صَحَّ أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَأجِيب: بِأَن المرا د بِالْيَوْمِ وَقت أَدَاء الْمَنَاسِك، وهما فِي حكم شَيْء وَاحِد. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: قَالَه ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (أَو وَيْلكُمْ) شكّ من الرَّاوِي، وويحكم كلمة رَحْمَة وويلكم كلمة عَذَاب. قَوْله: (وَلَا ترجعن) بِضَم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة خطاب للْجَمَاعَة ويروى: لَا ترجعوا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (بعدِي) قَالَ الطَّبَرِيّ، مَعْنَاهُ بعد فراقي من موقفي، وَكَانَ يَوْم النَّحْر فِي حجَّة الْوَدَاع أَو يكون: بعدِي، بِمَعْنى خلا فِي أَي: لَا تخلفوا فِي أَنفسكُم بِغَيْر الَّذِي أَمرتك بِهِ، أَو يكون تحقق، عَلَيْهِ السَّلَام، أَن هَذَا لَا يكون فِي حَيَاته فنهاهم عَنهُ بعد مماته. قَوْله: (كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) وَفِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن ذَلِك كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق وَالثَّانِي: أَن المُرَاد كفر النِّعْمَة وَحقّ الْإِسْلَام وَالثَّالِث: أَنه يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ وَالرَّابِع: أَنه فعل كَفعل الْكفَّار. وَالْخَامِس: المُرَاد حَقِيقَة الْكفْر وَمَعْنَاهُ لَا تكفرُوا بل دوموا مُسلمين. وَالسَّادِس: حَكَاهُ الْخطابِيّ وَغَيره: المُرَاد المتكفرون بِالسِّلَاحِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: يُقَال للابس السِّلَاح: كَافِر وَالسَّابِع: مَعْنَاهُ: لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا، وَأظْهر الْأَقْوَال القَوْل الرَّابِع، قَالَه النَّوَوِيّ وَاخْتَارَهُ القَاضِي عِيَاض. قَوْله: (يضْرب) بِضَم الْبَاء كَذَا رَوَاهُ المتقدمون والمتأخرون وَبِه يَصح الْمَقْصُود هُنَا، وَحكى عِيَاض عَن بَعضهم ضَبطه بِإِسْكَان الْبَاء، وَكَذَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء العكبري على تَقْدِير شَرط مُضْمر أَي: أَن ترجعوا يضْرب وَصوب عِيَاض وَالنَّوَوِيّ الأول.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود وَوُجُوب الانتقام لحرمات الله تَعَالَى، وَهِي جمع حُرْمَة كظلمات جمع ظلمَة، وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه. وَقَالَ الْمُهلب: لَا يحل لأحد من الْأَئِمَّة ترك حرمات الله أَن تنتهك وَعَلَيْهِم تَغْيِير ذَلِك، والانتقام افتعال من نقم ينقم من بَاب علم يعلم، ونقم ينقم من بَاب ضرب يضْرب، ونقم من فلَان الْإِحْسَان إِذا جعله مِمَّا يُؤَدِّيه إِلَى كفر النِّعْمَة، وَمعنى الانتقام لحرمات الله الْمُبَالغَة فِي عُقُوبَة من ينتهكها.
6876 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا خُيِّرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلاّ اخْتارَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَأَثَمْ، فَإِذا كانَ الإثْجمُ كانَ أبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَالله مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ حتَّى تُنْتَهَكُ حُرَماتُ الله فَيَنْتَقِمُ لله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَالله مَا انتقم لنَفسِهِ) أَي: مَا عاقب أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ من قبله.
وَأخرج الحَدِيث عَن يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير الخ، وَمضى فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة الخ.
قَوْله: (مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ابْن بطال: هَذَا التَّخْيِير لَيْسَ من الله، لِأَن الله لَا يُخَيّر رَسُوله بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم إلاَّ إِن كَانَ فِي الدّين أَحدهمَا يؤول إِلَى الْإِثْم كالغلو فَإِنَّهُ مَذْمُوم كَمَا لَو أوجب على نَفسه شَيْئا شاقاً من الْعِبَادَة فيعجر عَنهُ، وَمن ثمَّة نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الترهب. وَقَالَ ابْن التِّين: المُرَاد التخير فِي أَمر الدُّنْيَا، وَأما أَمر الْآخِرَة فَكل مَا صَعب كَانَ أعظم ثَوابًا. وَقَالَ الْكرْمَانِي رَحمَه الله: إِن كَانَ التَّخْيِير من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤده إِلَى إِثْم كالتخيير فِي المجاهدة والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك لَا تجوز. قَوْله: (مَا لم يَأْثَم) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا لم يكن إِثْم قَوْله: (كَانَ أبعدهُمَا مِنْهُ) أَي: كَانَ الْإِثْم أبعد الْأَمريْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يُؤْتى) على