بظلف محرق، وَهُوَ مِمَّا لَا يتَصَدَّق بِهِ، وَمثله كثير فِي كَلَامهم. وَاحْتج الْخَوَارِج بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْقطع يجب فِي قَلِيل الْأَشْيَاء وكثيرها وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك لِأَن قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: 83) لما نزل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك على ظَاهر مَا نزل، ثمَّ أعلمهُ الله أَن الْقطع لَا يكون إلاَّ فِي مِقْدَار مَعْلُوم، فَكَانَ بَيَانا لما أجمل فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْمِقْدَار اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

8 - (بابٌ الحُدُودُ كَفَّارَةٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ معنى الْحُدُود كَفَّارَة، فَقَوله: الْحُدُود مُبْتَدأ، أَو كَفَّارَة خَبره.

4876 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ أبي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: (بايعُونِي عَلى أنْ لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزُنُوا) وقَرَأ هاذِهِ الآيَةَ كُلَّها فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فأجْرُهُ عَلى الله ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَتُهُ ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ إنْ شاءَ غَفَرَ لهُ وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَته) .

وَمُحَمّد بن يُوسُف جزم بِهِ أَبُو نعيم أَنه الْفرْيَابِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون البيكندي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس عَائِذ الله بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالهمزة بعد الْألف وبالذال الْمُعْجَمَة الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون فِي آخِره. يروي عَن عبَادَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الصَّامِت.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بن عبد الله: أَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَكَانَ شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة. أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَحَوله عِصَابَة من أَصْحَابه: بايعوني ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة) قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذِه الْآيَة هِيَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} (الممتحنة: 21)

الْآيَة.

قلت: قد مر فِي كتاب الْإِيمَان: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوا فِي مَعْرُوف. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة أم لَا؟ .

قلت: قَالَ ابْن بطال: سَنَد حَدِيث عبَادَة أصح من إِسْنَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ ابْن التِّين: حَدِيث أبي هُرَيْرَة قبل حَدِيث عبَادَة، ثمَّ أعلمهُ الله تَعَالَى أَنَّهَا مطهرة على مَا فِي حَدِيث عبَادَة. فَإِن قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة مُتَأَخّر لِأَنَّهُ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بيعَة الْعقبَة لِأَن بيعَة الْعقبَة كَانَت قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بست سِنِين.

قلت: أجابوا بِأَن الْبيعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الْبَاب كَانَت متراخية عَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِدَلِيل أَن الْآيَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله: (وَقَرَأَ الْآيَة) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} (الممتحنة: 21)

إِلَى آخرهَا كَانَ نُزُولهَا فِي فتح مَكَّة، وَذَلِكَ بعد إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِ سنتَيْن، والإشكال إِنَّمَا وَقع من قَوْله هُنَاكَ: إِن عبَادَة بن الصَّامِت، وَكَانَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة، قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا ... الحَدِيث، فَإِنَّهُ يُوهم أَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْعقبَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْبيعَة الَّتِي وَقعت فِي لَيْلَة الْعقبَة كَانَت على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر والمنشط وَالْمكْره الخ. فَإِن قلت: آيَة الْمُحَاربَة تعَارض حَدِيث عبَادَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا} يَعْنِي الْحُدُود {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} (الْمَائِدَة: 33) فدلت على أَن الْحُدُود لَيست كَفَّارَة.

قلت: الْوَعيد فِي الْمُحَاربَة عِنْد جَمِيع الْمُؤمنِينَ مُرَتّب على قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84 و 611)

الْآيَة فَتَأْوِيل الْآيَة: إِن شَاءَ الله ذَلِك لقَوْله: {لمن يَشَاء} فَهَذِهِ الْآيَة تبطل نَفاذ الْوَعيد على غير أهل الشّرك إلاَّ أَن ذكر الشّرك فِي حَدِيث عبَادَة مَعَ سَائِر الْمعاصِي لَا يُوجب أَن من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْرك كَانَ ذَلِك كَفَّارَة لَهُ، لِأَن الْأمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015