أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من بلغ سِتِّينَ سنة من الْعُمر قَوْله: (فقد أعذر الله إِلَيْهِ) أَي أَزَال الله عذره فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حينئذٍ إِلَّا الاسْتِغْفَار وَالطَّاعَة والإقبال على الْآخِرَة بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يكون لَهُ على الله عد ذَلِك حجَّة، فالهمزة فِي أعذر للسلب، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَقَامَ الله عذره فِي تَطْوِيل عمره وتمكينه من الطَّاعَة مُدَّة مديدة، وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله عز وَجل: {أَو لم نُعَمِّركُمْ} ... الْآيَة. قَوْله: (يَعْنِي: الشيب) لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده. قَوْله: {أَو لم نُعَمِّركُمْ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا توبيخ من الله تَعَالَى يَعْنِي فَيَقُول لَهُم وَهُوَ متناول لكل عمر تمكن فِيهِ الْمُكَلف من إصْلَاح شَأْنه وَإِن قصر إلاَّ أَن التوبيخ فِي المتطاول أعظم. انْتهى. وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بالتعمير فِي الْآيَة على أَقْوَال فَعَن مَسْرُوق: أَنه أَرْبَعُونَ سنة، وَعَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: سَبْعُونَ سنة، وَعَن سهل بن سعد: سِتُّونَ سنة، وَعَن أبي هُرَيْرَة: من عمر سِتِّينَ سنة أَو سبعين سنة، فقد أعذر الله إِلَيْهِ فِي الْعُمر. قَوْله: {وَجَاءَكُم النذير} اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن زيد بن عَليّ: الْقُرْآن، وَعَن عِكْرِمَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ووكيع: الشيب، وَهُوَ الْأَصَح.
9146 - حدّثنا عَبْدُ السَّلام بنُ مُطَهَّرٍ حَدثنَا عُمَرُ بن عَليّ عنْ مَعْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الغِفارِيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أعْذَرَ الله إِلَى أمرْىءٍ أخَّرَ أجَلَهُ حتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد السَّلَام بن مطهر بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء وَتَشْديد الْهَاء الْمَفْتُوحَة ابْن حسام أَبُو ظفر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعمر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم الْمقدمِي أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ، ومعن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء نِسْبَة إِلَى غفار بن مقبل قَبيلَة مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، وَسَعِيد بن أبي سعيد ذكْوَان المَقْبُري، نِسْبَة إِلَى مَقْبرَة بِالْمَدِينَةِ كَانَ يسكن عِنْدهَا.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بِحَدِيث آخر مضى فِي كتاب الْإِيمَان.
قَوْله: (أعذر الله) من الْإِعْذَار وَهُوَ إِزَالَة الْعذر. قَوْله: (أخر أَجله) أَي: أَطَالَ الله حَيَاته حَتَّى بلغه سِتِّينَ سنة. قَالَ الْأَطِبَّاء: الْأَسْنَان أَرْبَعَة: سنّ الطفولة وَسن الشَّبَاب وَسن الكهولة وَسن الشيخوخة فَإِذا بلغ السِّتين وَهُوَ آخر الْأَسْنَان. فقد ظهر فِيهِ ضعف الْقُوَّة وَتبين فِيهِ النَّقْص والانحطاط وَجَاء نَذِير الْمَوْت فَهُوَ وَقت الْإِنَابَة إِلَى الله عز وَجل.
تابَعَهُ أبُو حازِمٍ وابنُ عَجْلانَ عنِ المَقْبُرِيِّ
أَي: تَابع معن بن مُحَمَّد فِي رِوَايَته عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري أَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله: (وَابْن عجلَان) . أَي: وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن عجلَان فِي رِوَايَته عَن المَقْبُري، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة.
0246 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا أبُو صَفْوانَ عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (لَا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الْمُتَقَدّم.
وعَلى ابْن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره. . وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن هَارُون بن سعيد.
قَوْله: (قلب الْكَبِير) أَي: الشَّيْخ. قَوْله: (فِي اثْنَتَيْنِ) أَي: فِي خَصْلَتَيْنِ. قَوْله: (شَابًّا) سَمَّاهُ شَابًّا لقُوَّة استحكامه فِي محبَّة المَال. قَوْله: (وَطول الأمل) : المُرَاد بالأمل هُنَا طول الْعُمر.