ويَمُرُّ بِنا فَقَالَ اللَّهُمَّ:
(لاَ عَيْشَ إلاّ عِيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلأنْصارِ والمُهاجِرَهْ)
(انْظُر الحَدِيث 7973 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن الْمِقْدَام بِكَسْر الْمِيم الْعجلِيّ والفضيل بن سُلَيْمَان النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم مصغر النمر، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي فضل الْأَنْصَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ.
قَوْله: (وَهُوَ يحْفر) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْفر الخَنْدَق. فَإِن قلت: تقدم فِي فضل الْأَنْصَار: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم يحفرون؟ .
قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال: كَانَ مِنْهُم من يحْفر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمِنْهُم من كَانَ ينْقل التُّرَاب.
تابَعَهُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا يحْتَاج إِلَى نظر، وَقَالَ غَيره: هَذَا لَيْسَ بموجود فِي نسخ البُخَارِيّ فَيَنْبَغِي إِسْقَاطه.
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله: مثل الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة. قَوْله: (مثل الدُّنْيَا) كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله: فِي الْآخِرَة مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره: مثل الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة، وَكلمَة: فِي تأتى بِمَعْنى: إِلَى، كَافِي قَوْله تَعَالَى: { (14) فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} (إِبْرَاهِيم: 9) أَي: إِلَى أَفْوَاههم. وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: كَمثل لَا شَيْء، أَلا ترى أَن قدر سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا! على مَا يَجِيء فِي حَدِيث الْبَاب؟ وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة بعض لفظ حَدِيث أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق قيس بن أبي حَازِم عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد رَفعه: (وَالله مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إلاَّ مثل مَا يَجْعَل أحدكُم إصبعه فِي اليم فَلْينْظر بِمَ يرجع) .
قلت: لَا وَجه أصلا فِي الَّذِي ذكره، وَلَا خطر ببال البُخَارِيّ هَذَا، وَإِنَّمَا وضع هَذِه التَّرْجَمَة ثمَّ ذكر حَدِيث سهل لِأَنَّهُ يطابقها فِي الْمَعْنى، وَلَا يخفى ذَلِك إلاَّ على الْقَاصِر فِي الْفَهم.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {اعْلَمُو اْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الاَْخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الْحَدِيد: 02) [/ ح.
وَقَوله بِالرَّفْع عطف على قَوْله: مثل الدُّنْيَا، وَهَذَا هَكَذَا بِالسوقِ إِلَى قَوْله: {مَتَاع الْغرُور} فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لعب وَلَهو} إِلَى قَوْله: {مَتَاع الْغرُور} وَأول الْآيَة: {اعلموا أَنما الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَالْمرَاد بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا هُنَا مَا يخْتَص بدار الدُّنْيَا من تصرف، وَأما مَا كَانَ فِيهَا من الطَّاعَة وَمَا لَا بدل مِنْهُ مِمَّا يُقيم الأود ويعين على الطَّاعَة فَلَيْسَ مرَادا هُنَا. قَوْله: {وزينة} وَهِي مَا يتزين بِهِ مِمَّا هُوَ خَارج عَن ذَات الشَّيْء مِمَّا يحسن بِهِ الشَّيْء. قَوْله: {وتفاخر} هَذَا غَالِبا يكون بِالنّسَبِ كعادة الْعَرَب. قَوْله: {وتكاثر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} حَيْثُ يَقُولُونَ: نَحن أَكثر مَالا وَولدا من بني فلَان، فيتفاخرون بذلك. قَوْله: {كَمثل غيث} أَي: زرع {أعجب الْكفَّار} أَي: الزراع {نَبَاته} وهم الَّذين يكفرون الْبذر أَي يغطونه، وَقيل: هم من كفر لِأَن الدُّنْيَا تعجبهم. قَوْله: {ثمَّ يهيج} أَي: يجِف وَيبقى حطاماً يتحطم، وَهَذَا مثل الدُّنْيَا وزوالها. قَوْله: {عَذَاب شَدِيد} أَي: الْأَعْدَاء الله تَعَالَى. قَوْله: {ومغفرة} أَي: لأوليائه. قَوْله: {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} تَأْكِيد لما سبق أَي: تغر من ركن إِلَيْهَا وَأما التقى فَهِيَ لَهُ بَلَاغ إِلَى الْآخِرَة.
5146 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمِ عنْ أبيهِ عنْ سَهْلِ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها، ولَغَدْوَةٌ فِي سَبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها.