فَهُوَ من حَيْثُ إِنَّه لَا يتعطل من ثمره. على مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث فَرْوَة بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تُؤْتى أكلهَا كل حِين} (إِبْرَاهِيم: 52) قَالَ: هِيَ شجر جوز الْهِنْد لَا يتعطل من ثمره، وَتحمل فِي كل شهر. وَرُوِيَ عَن عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، أَيْضا، قَالَ السُّهيْلي: وَلَا يَصح وَكَذَلِكَ الْمُؤمن الَّذِي هُوَ صَاحب كلمة الشَّهَادَة لَا يتعطل من عمله الصَّالح. قَوْله: (أَصْلهَا ثَابت) ، أَي: فِي الأَرْض، (وفرعها فِي السَّمَاء) يَعْنِي: فِي الْعُلُوّ فَإِذا كَانَ أَصْلهَا ثَابتا أَمن الِانْقِطَاع لِأَن الطّيب إِذا كَانَ فِي معرض الانقراض حصل بِسَبَب فنائه وزواله الْحزن، فَإِذا علم أَنه باقٍ عظم الْفَرح بوجدانه، وَإِذا كَانَ فرعها فِي السَّمَاء دلّ على كمالها من وَجْهَيْن الأول: ارْتِفَاع أَغْصَانهَا وقوتها وتصعدها يدل على ثُبُوت أَصْلهَا ورسوخ عروقها. الثَّانِي: إِذا كَانَت مُرْتَفعَة كَانَت بعيدَة عَن عفونات الأَرْض، فَكَانَت ثَمَرَتهَا نقية طَاهِرَة من جَمِيع الشوائب. قَوْله: (تُؤْتى) أَي: تُعْطِي (أكلهَا) أَي: ثَمَرهَا (كل حِين) اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَابْن زيد: كل سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْحِين حينان: حِين يعرف وَيدْرك، وَحين لَا يعرف فَالْأول: قَوْله: {ولتعلمن نبأه بعد حِين} وَالثَّانِي قَوْله {تُؤْتى أكلهَا كل حِين} (ص: 88) فَهُوَ مَا بَين الْعَام إِلَى الْعَام الْمقبل، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة: الْحِين كل سِتَّة أشهر مَا بَين صرامها إِلَى حملهَا، وَقَالَ الرّبيع بن أنس: كل حِين كل غدْوَة وَعَشِيَّة كَذَلِك يصعد عمل الْمُؤمن أول النَّهَار وَآخره، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَقَالَ الضَّحَّاك: الْحِين سَاعَة لَيْلًا وَنَهَارًا صيفاً وشتاءً يُؤْكَل فِي جَمِيع الْأَوْقَات، كَذَلِك الْمُؤمن لَا يَخْلُو من الْخَيْر فِي الْأَوْقَات كلهَا. فَإِن قلت: قد بيّنت وَجه التَّشْبِيه بَين الْكَلِمَة الطّيبَة والشجرة الطّيبَة، فَمَا الْحِكْمَة بالتمثيل بِالشَّجَرَةِ؟ قلت: لِأَن الشَّجَرَة لَا تكون شَجَرَة إِلَّا بِثَلَاثَة أَشْيَاء: عرق راسخ، وأصل قَائِم، وَفرع عَال، فَكَذَلِك الْإِيمَان لَا يقوم وَلَا يُثمر إِلَّا بِثَلَاثَة أَشْيَاء: تَصْدِيق بِالْقَلْبِ، وَقَول بِاللِّسَانِ، وَعمل بالأبدان.
8964 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ عنْ أبي أُسامَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنّا عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أخبرُوني بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أوْ كالرَّجُلِ المُسْلِمِ لَا يَتحاتُّ ورَقُها ولاَ ولاَ ولاَ {تُؤْتِي أكُلَها كلَّ حِينٍ} قالَ ابنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ورَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ لاَ يَتَكَلّمانِ فكَرِهْتُ أنْ أتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئاً قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ النَّخْلَةُ فَلَمّا قُمْنا قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أبَتاهُ وَالله لَقَدْ كانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أنّها النّخْلَةُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أنْ تَكَلَّمَ قَالَ لمْ أرَكُمْ تَكَلّمُون فكَرِهْتُ أنْ أتَكَلّمَ أوْ أقُولَ شَيْئاً قَالَ عُمَرُ لأنْ تكونَ قُلْتَها أحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذا وكَذا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الشَّجَرَة الطّيبَة هِيَ النَّخْلَة على قَول الْجُمْهُور. وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تشبه، أَو كَالرّجلِ الْمُسلم) ، شكّ من أحد الروَاة، وَمَعْنَاهُ: تشبه الرجل الْمُسلم، أَو قَالَ: كَالرّجلِ الْمُسلم. قَوْله: (وَلَا يتحات) ، من بَاب التفاعل أَي: لَا يَتَنَاثَر. قَوْله: (وَلَا وَلَا وَلَا) ، ثَلَاث مَرَّات أَشَارَ بهَا إِلَى ثَلَاث صِفَات أخر للنخلة وَلم يذكرهَا الرَّاوِي، وَاكْتفى بِذكر كلمة: لَا، ثَلَاث مَرَّات، وَقَوله: (تُؤْتى أكلهَا كل حِين) صفة خَامِسَة لَهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (النَّخْلَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ النَّخْلَة. قَوْله: (إِن تكلم) ، بِنصب الْمِيم لِأَن أَصله: أَن تَتَكَلَّم، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. قَوْله: (من كَذَا وَكَذَا) أَي: من حمر النعم، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {يثبت الله} أَي: يُحَقّق الله إِيمَانهم وأعمالهم (بالْقَوْل الثَّابِت) وَهُوَ شَهَادَة لَا إِلَه إِلَّا الله. قَوْله: {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي: فِي الْقَبْر عِنْد السُّؤَال: (وَفِي الْآخِرَة) إِذا بعث.