إِلَيْهِ فِيهِ، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: مَعْنَاهُ وآتاكم من كل مَا سألتموه وَمَا لم تسألوه، وَعَن الضَّحَّاك: أَعْطَاكُم أَشْيَاء مَا طلبتموها وَلَا سألتموها على النَّفْي على قِرَاءَة: من كل، بِالتَّنْوِينِ، صدق الله تَعَالَى كم من شَيْء أَعْطَانَا الله وَمَا سألناه إِيَّاه وَلَا خطر لنا على بَال، وَعَن الْحسن رَحمَه الله: من كل الَّذِي سألتموه، أَي: من كل مَا سَأَلْتُم.
يَبْغُونَها عِوَجاً يَلْتَمِسُونَ لَها عِوَجاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ويصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا} (إِبْرَاهِيم: 3) الْآيَة، هَذَا وَقع هُنَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ من تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا، وَفسّر قَوْله: يَبْغُونَهَا، بقوله: يَلْتَمِسُونَ لَهَا، وَقد وَصله عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ: يَلْتَمِسُونَ لَهَا الزيغ والعوج بِالْفَتْح فِيمَا كَانَ مائلاً منتصباً كالحائط، وَالْعود وبالكسر فِي الأَرْض وَالدّين وشبههما، قَالَه ابْن السّكيت وَابْن فَارس.
وإذْ تأذَّنَ رَبُّكُمْ. أعْلَمَكُمْ آذَنَكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم} (إِبْرَاهِيم: 7) ، وَفسّر: تَأذن بقوله: أعلمكُم. قَوْله: (آذنكم) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أعلمكُم ربكُم، وَنقل بَعضهم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: كلمة (ذَر) زَائِدَة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مَعْنَاهُ اذْكروا حِين تَأذن ربكُم، وَمعنى تَأذن ربكُم إِذن ربكُم. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَنَظِير تَأذن وآذن توعد وأوعد، تفضل وَأفضل، وَلَا بُد فِي تفعل من زِيَادَة معنى لَيْسَ فِي أفعل، كَأَنَّهُ قيل: وَإِذ تَأذن ربكُم إِيذَانًا بليغاً تَنْتفِي عِنْده الشكوك، وَقَالَ بَعضهم: إِذْ تَأذن من الإيذان، قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ من التأذين.
رَدُّوا أيْدِيهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ هاذا مِثْلُ كُفُّوا عَمَّا أُمرُوا بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} (إِبْرَاهِيم: 9) وَقَالَ ابْن مَسْعُود: عضوا على أَيْديهم غيظاً عَلَيْهِم. قَوْله: (هَذَا مثل) ، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا بِحَسب الْمَقْصُود، مثل كفوا عَمَّا أمرو بِهِ، قَالَ: ويروى: مثل، بالمفتوحتين. انْتهى. وَلم يُوضح مَا قَالَه حَتَّى يشْبع النَّاظر فِيهِ، أَقُول: مثل كفوا، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون التَّاء يَعْنِي: معنى ردوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم مثل معنى كفوا عَمَّا أمروا بِهِ، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأما الْمَعْنى على رِوَايَة: هَذَا مثل، بِفتْحَتَيْنِ فعلى طَرِيق الْمثل، أَي: مثل مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاء من النصائح والمواعظ، وَأَنَّهُمْ ردوهَا أبلغ رد، فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم وَقَالُوا: إِنَّا كفرنا بِمَا أرسلتم بِهِ، أَرَادَ إِن هَذَا جَوَابنَا لكم لَيْسَ عندنَا غَيره، وَيُقَال: أَو وضعُوا أَيْديهم على أَفْوَاههم يَقُولُونَ للأنبياء: أطبقوا أَيْدِيكُم أَفْوَاهكُم واسكتوا، أَو ردوهَا فِي أَفْوَاه الْأَنْبِيَاء يشيرون لَهُم إِلَى السُّكُوت، أَو وضعوها على أَفْوَاههم وَلَا يذرونهم يَتَكَلَّمُونَ.
مَقامِي حَيْثُ يُقيمُهُ الله بَيْنَ يَدَيْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد} (إِبْرَاهِيم: 41) وَفسّر قَوْله: مقَامي، بقوله: حَيْثُ يقيمه بَين يَدَيْهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَفِي التَّفْسِير: مقَامي موقفي وَهُوَ موقف الْحساب لِأَنَّهُ موقف الله تَعَالَى الَّذِي يقف فِيهِ عباده يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: خَافَ قيامي عَلَيْهِ وحفظي لأعماله.
مِن ورَائِهِ قُدَّامهِ جَهَنَّمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن وَرَائه عَذَاب غايظ} (إِبْرَاهِيم: 71) وَفسّر الوراء بالقدام، وَفَسرهُ الزَّمَخْشَرِيّ بقوله: بِمن بَين يَدَيْهِ، وَنقل قطرب وَغَيره أَنه من الأضداد، وَأنْكرهُ إِبْرَاهِيم بن عَرَفَة، وَقَالَ: لَا يَقع وَرَاء بِمَعْنى أَمَام إلاَّ فِي زمَان أَو مَكَان، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ مَا توارى عَنهُ واستتر.
لَكُمْ تَبَعاً واحِدُها تابِعٌ مِثْلُ غَيَبٍ وغائِبٍ