ابْن عَبَّاس أَيْضا خلق الغرارة وَالْحَبل وَرَثَة الْمَتَاع.
غَاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ الله عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفأمنوا أَن تأتيهم غاشية من عَذَاب الله أَو تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} (يُوسُف: 107) وَفسّر غاشية بقوله: (عِمَامَة) أَي: نقمة عَامَّة. قَوْله: (مُجَللَة) ، بِالْجِيم من جلل الشَّيْء تجليلاً أَي: عَمه، وَهُوَ صفة غاشية لِأَن ابْن عَبَّاس فسر الغاشية بقوله: مُجَللَة، وَيرد بِهَذَا قَول بَعضهم: أَن مُجَللَة تَأْكِيد عَامَّة. وَقَالَ قَتَادَة: غاشية وقيعة، وَقَالَ الضَّحَّاك: الصَّوَاعِق والقوارع.
أَي: هَذَا بَاب، وَلَيْسَ فِي مُعظم النّسخ لفظ بَاب.
اسَتَيْأَسُوا يَئِسُوا لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله مَعْناهُ الرَّجاءُ
لم يثبت هَذَا أَلا لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَأَشَارَ بقوله: {استيأسوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} (يُوسُف: 80) وَفَسرهُ بقوله: (يئسوا) أَي: فَلَمَّا أيس أخوة يُوسُف من يُوسُف أَن يُجِيبهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ خلصوا نجيا. أَي: خلا بَعضهم بِبَعْض يتناجون ويتشاورون لَا يخالطهم غَيرهم، والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله: {لَا تيأسوا من روح الله} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيأسوا من روح الله إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} (يُوسُف: 87) وَمعنى من روح الله من رَحمته، قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك: من فضل الله، وَقَالَ ابْن زيد: من فرج الله، وَهَذَا حِكَايَة عَن كَلَام يَعْقُوب، عَلَيْهِ السَّلَام، لأولاده قَوْله: (مَعْنَاهُ الرَّجَاء) أَي: معنى عدم الْيَأْس الرَّجَاء أَو معنى التَّرْكِيب الرَّجَاء، أَو لَا روح بِهِ حَقِيقَة.
خَصَلُوا نَجِيّا اعْتَزَلُوا نَجِيّا وَالجِسْمِ أنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمِيعُ نَجِيٌّ وَأنْجِيَةٌ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} وَلم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَقَوله: (خلصوا) جَوَاب لما وَفسّر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: اعْتَرَفُوا وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، والنجي هُوَ الَّذِي يُنَاجِي، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والاثنان وَالْجمع الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر فِي الأَصْل جعل نعتا كالعدل والزور وَنَحْوهمَا وَجَاء جمعه أنجية وَقد نبه عَلَيْهِ بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الْحَال أَي: حَال كَونهم متناجين فِيمَا يعْملُونَ فِي ذهابهم إِلَى أَبِيهِم من غير أخيهم.
أَي: هَذَا فِي بَيَان بعض تَفْسِير سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي: (مقامات التَّنْزِيل) : سُورَة يُوسُف مَكِّيَّة كلهَا وَمَا بلغنَا فِيهَا اخْتِلَاف، وَفِي: (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) : عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: نزلت بِمَكَّة إلاَّ أَربع آيَات فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، ثَلَاث آيَات من أَولهَا وَالرَّابِعَة: {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) وَسبب نُزُولهَا سُؤال الْيَهُود عَن أَمر يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي مائَة وَإِحْدَى عشر آيَة، وَألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ كلمة، وَسَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَسِتُّونَ حرفا.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
بابٌ
أَي: هَذَا بَاب فِي كَذَا وَكَذَا، وَلم يثبت لفظ: بَاب فِي مُعظم النّسخ.
وَقَالَ فُضَيْلٌ عنْ حُصَيْنٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتَّكَأً الأُتْرُجُ قَالَ فُضَيْلٌ الأتْرُجُّ بالحَبَشِيَّةِ مُتْكاً وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ رجُلٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتْكاً كلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بالسِّكِّينِ
فُضَيْل مصغر فضل وَهُوَ ابْن عِيَاض بن مُوسَى أَبُو عَليّ، ولد بسمرقند نَشأ بأبيورد، وَكتب الحَدِيث بكوفة وتحول إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وقبره بِمَكَّة يزار، وحصين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. قَوْله: (متكأ) بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وَفتح الْكَاف وبالهمزة المنونة، وَفَسرهُ مُجَاهِد بِأَنَّهُ الأترج، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء وَضم الرَّاء وَتَشْديد الْجِيم، وروى هَذَا التَّعْلِيق ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحي بن سعيد عَن فُضَيْل بن عِيَاض عَن حُصَيْن بِهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: متكأ مَا يتكأ عَلَيْهِ من نمارق، وَقيل: متكأ مجْلِس الطَّعَام لأَنهم كَانُوا يتكئون للطعام وَالشرَاب والْحَدِيث كعادة المترفين، وَلِهَذَا نهى أَن يَأْكُل الرجل مُتكئا، وَعَن مُجَاهِد: متكأ طَعَاما يحز حزاً، كَأَن الْمَعْنى: يعْتَمد بالسكين لِأَن الْقَاطِع يتكىء على الْمَقْطُوع بالسكين، وَيُقَال فِي الأترج: الاترنج، بالنُّون الساكنة بعد الرَّاء ويدغم النُّون فِي الْجِيم أَيْضا، وَكَانَت زليخا أَهْدَت ليوسف أترجة على نَاقَة وَكَأَنَّهَا الأترجة الَّتِي ذكرهَا أَبُو دَاوُد فِي: (سنَنه) أَنَّهَا شقَّتْ بنصفين وحملا كالعدلين على جمل. قَوْله: (قَالَ فُضَيْل الأترج بالحبشية متكأ) أَي: بِلِسَان الْحَبَشَة، أَو باللغة الحبشية. قَوْله: متكاً بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبتنوين الْكَاف، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان: حَدثنَا يحيى بن يمَان عَنهُ، وَقَرَأَ: متكاً، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وتنوين الْكَاف بِغَيْر همزَة، وَعَن الْحسن: متكأً، بِالْمدِّ كَأَنَّهُ مفتعال وَذَلِكَ لإشباع فَتْحة الْكَاف لقَوْله: بمنتزاح، بِمَعْنى منتزح. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة) وَهُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن رجل) هُوَ مَجْهُول (عَن مُجَاهِد متكأً) بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وتنوين الْكَاف، وَهُوَ (كل شَيْء قطع بالسكين) وَقيل: من متك الشَّيْء بِمَعْنى: بتكه إِذا قطعه، وَقَرَأَ الْأَعْرَج: متكأ على وزن مفعل من تكأ يتكأ إِذا اتكا.
وَقَالَ قَتادَة لَذُو عِلْمٍ عامِلٌ بِمَا عَلِمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه} (يُوسُف: 68) . . الْآيَة، وَفسّر قَتَادَة قَوْله: لذُو علم، بقوله: عَامل بِمَا علم. وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو معمر عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْقطيعِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا لَا يَتَّضِح إلاَّ إِذا وقف الشَّخْص على الْقَضِيَّة من قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} (يُوسُف: 67) إِلَى قَوْله: {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (يُوسُف: 72) .
وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفارِسِيِّ الَّذِي يلْتقِي طَرَفاهُ كانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأعاجِمُ
أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا انفقد صواع الْملك} . . الْآيَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي: (غرائب شُعْبَة) ، وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: (صواع الْملك) قَالَ: كَانَ كَهَيئَةِ المكوك من فضَّة يشربون فِيهِ، وَقد كَانَ للْعَبَّاس مثله فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ زيد بن زيد: كَانَ كأساً من ذهب، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ من فضَّة مرصعة بالجواهر جعلهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، مكيالاً لَا يُكَال بغَيْرهَا وَكَانَ يشرب فِيهَا. وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ قدحاً من زبرجد، والمكوك، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الْكَاف المضمومة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف أُخْرَى: وَهُوَ مكيال مَعْرُوف لأهل الْعرَاق فِيهِ ثَلَاث كيلجات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المكوك إسم للمكيال وَيخْتَلف فِي مِقْدَاره باخْتلَاف اصْطِلَاح النَّاس عَلَيْهِ فِي الْبِلَاد، وَفِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يتَوَضَّأ بالمكوك الْمَدّ) . وَقيل: الصَّاع، وَيجمع على: مكاكي، على إِبْدَال الْيَاء من الْكَاف الْأَخِيرَة، وَقَرَأَ الْجُمْهُور: صواع، وَعَن أبي هُرَيْرَة، أَنه قَرَأَ: أصاع الْملك، وَعَن أبي رَجَاء: صوع، بِسُكُون الْوَاو، وَعَن يحيى بن يعمر مثله. لَكِن بغين مُعْجمَة، حَكَاهَا الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون} (يُوسُف: 94) وَفَسرهُ بقوله: (تجهلون) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تسفهوني، وَقَالَ مُجَاهِد: لَوْلَا أَن تَقولُوا ذهب عقلك، وَوجد ريح يُوسُف من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وتفندون من الفند بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْهَرم.
وَقَالَ غَيْرُهُ غيابَةُ الحبِّ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئا فَهُوَ غَيابَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والقوه فِي غيابة الْحبّ يلتقطه بعض السيارة} (يُوسُف: 10) ظَاهر الْكَلَام أَن قَوْله: (وَقَالَ غَيره) غير ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ من كَلَام ابْن عَبَّاس وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة. قلت: لَا مَانع أَن يكون قَول أبي عُبَيْدَة من قَول ابْن عَبَّاس. قَوْله: (كل شَيْء) ، مُبْتَدأ وَقَوله: (غيب عَنْك) فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لشَيْء (وشيأ) مفعول غيب. قَوْله: (فَهُوَ غيابة) جملَة إسمية وَقعت خبر الْمُبْتَدَأ. أَو الْمُبْتَدَأ إِذا تضمن معنى الشَّرْط تدخل الْفَاء فِي خَبره. قَوْله: (غيابة الْجب) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: قَعْر الْجب وظلمته حَيْثُ يغيب خَبره، وَقَالَ قَتَادَة: أَسْفَله وَأَصله من الغيبوبة.
وَالجُبُّ الرَّكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ
أَي: الْجب الْمَذْكُور فِي قَوْله: (غيابة الْجب) هُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطو، وَكَذَلِكَ القليب، قَالَ الْجَوْهَرِي: القليب الْبِئْر قبل أَن تطوى، وَسميت جبا من أجل أَنَّهَا قطعت قطعا وَلم يحدث فِيهَا غير الْقطع من الطي وَمَا أشبهه.
بِمُؤْمِنٍ لَنَا بِمُصدِّق
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى، حِكَايَة عَن قَول إخْوَة يُوسُف: {وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} (يُوسُف: 17) وَالْمعْنَى: وَمَا أَنْت بمصدق فِي كلامنا، وَفِي التَّفْسِير: وَمَا أَنْت بمصدق لنا لسوء ظَنك بِنَا وتهمتك لنا، وَهَذَا قَمِيصه ملطخ بِالدَّمِ.
يُقالُ بَلَغَ أشُدَّهُ قَبْلَ أنْ يَأْخُذ فِي النُّقْصانِ وَقَالُوا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغُوا أشُدَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُها شَدٌّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَفسّر قَوْله: أشده، بقوله: قبل أَن يَأْخُذ فِي النُّقْصَان، وَأَرَادَ بِهِ عز مُنْتَهى شبابه وقوته وشدته، وَاخْتلف فِيهِ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ وَرَبِيعَة وَزيد بن أسلم وَمَالك: أَنه الْحلم، وَعَن سعيد ابْن جُبَير ثَمَانِيَة عشرَة سنة، وَقيل: عشرُون، وَقيل: خمس وَعِشْرُونَ، وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ قَالَه مُجَاهِد: وَقيل: أَرْبَعُونَ. وَقيل: سبع عشرَة سنة، وَقيل: خمس وَثَلَاثُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَا بَين ثَمَان عشرَة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: سِتُّونَ سنة، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَظْهر أَنه أَرْبَعُونَ لقَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما} وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتنبى إلاَّ بعد أَرْبَعِينَ سنة. قَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيحيى أَيْضا تنبأ لدوّنَ الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} (مَرْيَم: 12) قلت لَهُ أَن يَقُول: هما مخصوصان بذلك من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (يُقَال بلغ أشده وبلغوا أَشَّدهم) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه يُضَاف إِلَى الْمُفْرد وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم: وَاحِدهَا:) أَي: وَاحِد الأشد وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ، وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنه لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه.
وَالمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأَتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أوْ لِحَدِيثٍ أوْ لِطعامٍ وَأبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ وَلَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بأنّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا إنَّما هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التّاءِ وَإنّما المُتْكُ طَرَفُ البَظرِ وَمِنْ ذالِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكاءُ وَابنُ المَتْكاءِ فَإنْ كَانَ ثمَّ أُترُجٌّ فَإنّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ.
لما ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن مُجَاهِد أَن المتكأ الأترج، أنكر ذَلِك، فَقَالَ: المتكأ مَا اتكأت عَلَيْهِ لأجل شرب شراب أَو لأجل حَدِيث أَو لأجل طَعَام. قَوْله: وأبطل قَول الَّذِي قَالَ: المتكأ الأترج، ثمَّ ادّعى أَنه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الأترج، يَعْنِي: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب تَفْسِير المتكأ بالأترج، وَفِيه نظر، حَتَّى قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) هَذِه الدَّعْوَى من الْأَعَاجِيب فقد قَالَ فِي (الْمُحكم) المتكأ الأترج، وَعَن الْأَخْفَش كَذَلِك، وَفِي (الْجَامِع) المتكأ الأترج، وأنشدوا:
(فنشرب الْإِثْم بالصواع جهارا ... ونرى المتك بَيْننَا مستعارا)
وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي زعم أَن المتكا بِالضَّمِّ الأترج، وَالَّذِي بِفَتْح الْمِيم السوسن، وبنحوه ذكره أَبُو عَليّ القالي وَابْن فَارس فِي (الْمُجْمل) وَغَيرهمَا. قَوْله: (فَلَمَّا احْتج عَلَيْهِم) ، بِصِيغَة الْمَجْهُول. (يان المتكأ من نمارق) إِلَى آخِره ظَاهر. قَوْله: (وَإِنَّمَا المتك) ، بِعني: بِالضَّمِّ، طرف البظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ مَا تبقيه الخاتنة بعد الْخِتَان من الْمَرْأَة. قَوْله: (وَمن ذَلِك) أَي: وَمن هَذَا اللَّفْظ: (قيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة. (متكاء) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبالمد، وَهِي الَّتِي لم تختن، وَيُقَال لَهَا: البظراء أَيْضا ويعير الرجل بذلك، فَيُقَال لَهُ: ابْن المتكاء. قَوْله: (فَإِن كَانَ ثمَّ أترج) بِفَتْح الْفَاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، أَي: فَإِن كَانَ هُنَاكَ أترج فَإِنَّهُ كَانَ بعد المتكاء، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ مَا قَالَه من ذَلِك تبعا لأبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: زعم قوم أَنه الأترج، وَهَذَا أبطل بَاطِل فِي الأَرْض، وَلَكِن عَسى أَن يكون مَعَ المتكاه أترج يَأْكُلُونَهُ. قلت: كَأَنَّهُ لم يفحص عَن ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي. وقلد أَبَا عُبَيْدَة، والأفة من التَّقْلِيد، وَكَيف يَصح مَا قَالَه من ذَلِك وَقد روى عبد بن حميد من طَرِيق عَوْف الْأَعرَابِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِنَّه كَانَ يقْرؤهَا: متكاء، مُخَفّفَة وَيَقُول: هُوَ الأترج، وَأَيْضًا قد روى مثله عَمَّن ذَكَرْنَاهُمْ الْآن.
شَغَفَها يُقَالُ بَلَغَ إلَى شِغافَها وَهُوَ غِلافُ قَلْبِها وَأمّا شَعَفَها فَمِنَ المَشْعُوفِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {امْرَأَة الْعَزِيز تراود فناها عَن نَفسه قد شغفها حبا إِنَّا لنراها فِي ضلال مُبين} (يُوسُف: 30) قَوْله: (قد شغفها) ، أَي: قد شغف يُوسُف زليخا، يَعْنِي: بلغ حبه إِلَى شغافها، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة فِي ضبط الْمُحدثين، وَعند أهل اللُّغَة بِالْفَتْح، وَهُوَ غلاف قَلبهَا، وَقيل: الشغاف حَبَّة الْقلب، وَقيل: هُوَ علقَة سَوْدَاء فِي صميمه. قَوْله: (وَأما شعفها) ، يَعْنِي: بِالْعينِ الْمُهْملَة فَمن المشعوف، يُقَال: فلَان مشعوف بفلان إِذا بلغ بِهِ الْحبّ أقْصَى الْمذَاهب، وَيُقَال: فلَان شعفه الْحبّ، أَي أحرق قلبه.
أصْبُ أمِيلُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن قَول يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام: {وإلاَّ تصرف عني كيدهن أَصْبُ إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} (يُوسُف: 33) وَفسّر: أصبُ، بقوله: أميل، يُقَال: صبا إِلَى اللَّهْو، يصبو صبوا إِذا مَال إِلَيْهِ، وَمِنْه سمي الصَّبِي لِأَنَّهُ يمِيل إِلَى كل شَيْء.
أضْغَاثُ أحْلامٍ مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أضغاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين} (يُوسُف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وَهُوَ ملْء الْيَد من حشيش، وَفسّر قَوْله: أضغاث أَحْلَام، بقوله: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ لِأَنَّهُ من الأخلاط والرؤيا الكاذبة الَّتِي لَا أصل لَهَا. وَقَوله: (أضغاث أَحْلَام) فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (مَا لَا تَأْوِيل لَهُ) ، خَبره وَكلمَة مَا مَوْصُولَة.
وَالضِّغْثُ مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثا لَا مِنْ قَوْلِهِ أضْغاثُ أحْلامٍ وَاحِدُها ضِغْثٌ
أَشَارَ بقوله: {والضغث} إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الضغث وَاحِد. الأضغاث وَالْآخر: أَن تَفْسِيره بملء الْيَد من حشيش وَمَا أشبهه، وَأَرَادَ أَن الضغث الَّذِي هُوَ ملْء الْكَفّ من أَنْوَاع الْحَشِيش هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ} (ص: 44) وَذَلِكَ فِي قصَّة أَيُّوب، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن المُرَاد من الأضغاث هُنَا هُوَ الَّذِي واحده ضغث الَّذِي هُوَ بِمَعْنى مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} مَا حَاصله أَن الضغث فِي قَوْله: (وَخذ بِيَدِك ضغثا) بِمَعْنى: ملْء الْكَفّ من الْحَشِيش، لَا بِمَعْنى: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أخلاط أَحْلَام، وروى أَبُو يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: هِيَ الأحلام الكاذبة.
نَمِيرُ مِنَ المِيرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا ونمير أهلنا} (يُوسُف: 6) الْميرَة بِكَسْر الْمِيم الطَّعَام، وَالْمعْنَى: نجلب إِلَى أهلنا الطَّعَام يُقَال: مار أَهله يميرهم إِذا أَتَاهُم بِطَعَام.
وَنزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ
أَي نزداد على أحمالنا حمل بعير يُكَال لَهُ مَا حمل بعيره، وروى الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: كيل بعير أَي: كيل حمَار. وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنه لُغَة يُقَال للحمار بعير. وَيُؤَيّد ذَلِك أَن إخْوَة يُوسُف كَانُوا من أَرض كتمان وَلَيْسَ بهَا إبل.
آوِي إلَيْهِ ضَمَّ إلَيْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما دخلُوا على يُوسُف آوي إِلَيْهِ أَخَاهُ} (يُوسُف: 69) الْآيَة. أَي: فَلَمَّا دخلت إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ ضم يُوسُف إِلَى نَفسه أَخَاهُ بنيامين من آوى يؤوى إيواء.
السَّقايَةُ مِكْيَالٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه} (يُوسُف: 70) وَفسّر السِّقَايَة وَله مكيال، وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي كَانَ يُوسُف يشرب بِهِ فَجعله ميكالاً لِئَلَّا يكتالوا بِغَيْرِهِ فيظلموا وَيُقَال: السِّقَايَة هِيَ الصواع كَانَ الْملك يسْقِي بهَا ثمَّ جعلت صَاعا يُكَال بِهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
تَفْتَأُ لَا تَزَالُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} (يُوسُف: 85) أَي: لَا تفتأ فَحذف حرف النَّفْي، وَالْمعْنَى: أَن أخوة يُوسُف قَالُوا ليعقوب أَبِيهِم: وَالله لَا تزَال تذكر يُوسُف وَلَا تفتر من حبه {حَتَّى تكون حرضا} الْآيَة. يُقَال: مَا فتئت أذكر ذَلِك وَمَا فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا. وَقَالَ أَبُو زيد: مَا افتأت أذكرهُ وَمَا فتئت أذكرهُ أَي: مَا زلت أذكرهُ لَا يتَكَلَّم بِهِ إلاّ مَعَ الْجحْد. وَقَوله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} أَي: مَا تفتأ قلت الصَّوَاب لَا تفتأ.
حَرَضا مُحْرَضا يُذِيبُكَ الْهَمُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تكون حرضا أَو تكون من الهالكين} وَذكر أَن حرضا بِمَعْنى، محرض، على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَفَسرهُ بقوله: يذيبك الْهم من الإذابة. وَقيل: مَعْنَاهُ تكون دنفا وَقيل: قَرِيبا من الْمَوْت، وَقَالَ الْفراء الحرض هُوَ الْفَاسِد فِي جِسْمه، وعقله وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع والمذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر وضع مَوضِع الْأَلَم، وَمن الْعَرَب من يؤنث مَعَ الْمُؤَنَّث. وَقَرَأَ أنس بِضَم الْحَاء، وَعَن قَتَادَة: حرضا هرما. وَعَن الضَّحَّاك بَالِيًا ذَا بلَاء، وَعَن الرّبيع ابْن أنس، يَابِس الْجلد على الْعظم، وَعَن الْحسن: كالشيء المدقوق المكسور، وَعَن القتبي: سَاقِطا. قَوْله: {أَو تكون من الهالكين} أَي: الميتين.
تَحَسَّسوا تَحَبرُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا بني اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه} (يُوسُف: 87) الْآيَة. وَفسّر: تحسسوا بقوله: تخبروا. أَي: اطْلُبُوا الْخَبَر وتحسسوا تَفعلُوا من الْحس، يَعْنِي: تتبعوا. وَعَن ابْن عَبَّاس: التمسوا. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْفرق بَين التحسس، بِالْحَاء الْمُهْملَة، والتجسس، بِالْجِيم؟ فَقَالَ: لَا يعدو أَحدهمَا عَن الآخر إلاَّ أَن التحسس فِي الْخَيْر والتجسس فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْحَاء لنَفسِهِ وبالجيم لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
مُزْجاةٌ قَلِيلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة} وفسرها بقوله قَليلَة. وَقيل: ردية، وَقيل: فَاسِدَة. وَعَن قَتَادَة: يسيرَة، وَكَانَت البضاعة من صوف وَنَحْوه. وَقيل: دَرَاهِم لَا تزوج، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس: كَانَت دَرَاهِم زُيُوفًا لَا تنْفق إلاَّ بوضيعة. وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا خلق الغرارة وَالْحَبل وَرَثَة الْمَتَاع.
غَاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ الله عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفأمنوا أَن تأتيهم غاشية من عَذَاب الله أَو تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} (يُوسُف: 107) وَفسّر غاشية بقوله: (عِمَامَة) أَي: نقمة عَامَّة. قَوْله: (مُجَللَة) ، بِالْجِيم من جلل الشَّيْء تجليلاً أَي: عَمه، وَهُوَ صفة غاشية لِأَن ابْن عَبَّاس فسر الغاشية بقوله: مُجَللَة، وَيرد بِهَذَا قَول بَعضهم: أَن مُجَللَة تَأْكِيد عَامَّة. وَقَالَ قَتَادَة: غاشية وقيعة، وَقَالَ الضَّحَّاك: الصَّوَاعِق والقوارع.
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَلَيْسَ فِي مُعظم النّسخ لفظ بَاب.
اسَتَيْأَسُوا يَئِسُوا لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله مَعْناهُ الرَّجاءُ
لم يثبت هَذَا أَلا لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَأَشَارَ بقوله: {استيأسوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} (يُوسُف: 80) وَفَسرهُ بقوله: (يئسوا) أَي: فَلَمَّا أيس أخوة يُوسُف من يُوسُف أَن يُجِيبهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ خلصوا نجيا. أَي: خلا بَعضهم بِبَعْض يتناجون ويتشاورون لَا يخالطهم غَيرهم، والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله: {لَا تيأسوا من روح الله} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيأسوا من روح الله إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} (يُوسُف: 87) وَمعنى من روح الله من رَحمته، قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك: من فضل الله، وَقَالَ ابْن زيد: من فرج الله، وَهَذَا حِكَايَة عَن كَلَام يَعْقُوب، عَلَيْهِ السَّلَام، لأولاده قَوْله: (مَعْنَاهُ الرَّجَاء) أَي: معنى عدم الْيَأْس الرَّجَاء أَو معنى التَّرْكِيب الرَّجَاء، أَو لَا روح بِهِ حَقِيقَة.
خَصَلُوا نَجِيّا اعْتَزَلُوا نَجِيّا وَالجِسْمِ أنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمِيعُ نَجِيٌّ وَأنْجِيَةٌ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} وَلم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَقَوله: (خلصوا) جَوَاب لما وَفسّر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: اعْتَرَفُوا وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، والنجي هُوَ الَّذِي يُنَاجِي، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والاثنان وَالْجمع الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر فِي الأَصْل جعل نعتا كالعدل والزور وَنَحْوهمَا وَجَاء جمعه أنجية وَقد نبه عَلَيْهِ بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الْحَال أَي: حَال كَونهم متناجين فِيمَا يعْملُونَ فِي ذهابهم إِلَى أَبِيهِم من غير أخيهم.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيتم نعْمَته عَلَيْك} الْآيَة. وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (وَيتم نعْمَته) أَي: وَيتم الله نعْمَته عَلَيْك، وَالْخطاب ليوسف، عَلَيْهِ السَّلَام، وإتمام النِّعْمَة بِالنُّبُوَّةِ، وَقيل: بإعلاء الْكَلِمَة، وَقيل: بِأَن أحْوج إِلَيْك إخْوَتك قَوْله: (وعَلى آل يَعْقُوب) هم وَلَده، وَقيل: هُوَ وَامْرَأَته وَأَوْلَاده الْأَحَد عشر، وإتمام النِّعْمَة: الْجمع بَين نعْمَة الدُّنْيَا وَهِي الْملك ونعمة الْآخِرَة. قَوْله: (كَمَا أتمهَا) أَي: النِّعْمَة فنعمته على إِبْرَاهِيم أَن أَنْجَاهُ من النَّار، وعَلى إِسْحَاق أَن أَنْجَاهُ من الذّبْح.
4688 - ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَّدِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الكَرِيمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْمَذْكُور فيهمَا هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء الْأَرْبَعَة عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (حَدثنِي) ، ويروى: حَدثنَا بنُون