(فنشرب الْإِثْم بالصواع جهارا ... ونرى المتك بَيْننَا مستعارا)
وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي زعم أَن المتكا بِالضَّمِّ الأترج، وَالَّذِي بِفَتْح الْمِيم السوسن، وبنحوه ذكره أَبُو عَليّ القالي وَابْن فَارس فِي (الْمُجْمل) وَغَيرهمَا. قَوْله: (فَلَمَّا احْتج عَلَيْهِم) ، بِصِيغَة الْمَجْهُول. (يان المتكأ من نمارق) إِلَى آخِره ظَاهر. قَوْله: (وَإِنَّمَا المتك) ، بِعني: بِالضَّمِّ، طرف البظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ مَا تبقيه الخاتنة بعد الْخِتَان من الْمَرْأَة. قَوْله: (وَمن ذَلِك) أَي: وَمن هَذَا اللَّفْظ: (قيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة. (متكاء) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبالمد، وَهِي الَّتِي لم تختن، وَيُقَال لَهَا: البظراء أَيْضا ويعير الرجل بذلك، فَيُقَال لَهُ: ابْن المتكاء. قَوْله: (فَإِن كَانَ ثمَّ أترج) بِفَتْح الْفَاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، أَي: فَإِن كَانَ هُنَاكَ أترج فَإِنَّهُ كَانَ بعد المتكاء، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ مَا قَالَه من ذَلِك تبعا لأبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: زعم قوم أَنه الأترج، وَهَذَا أبطل بَاطِل فِي الأَرْض، وَلَكِن عَسى أَن يكون مَعَ المتكاه أترج يَأْكُلُونَهُ. قلت: كَأَنَّهُ لم يفحص عَن ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي. وقلد أَبَا عُبَيْدَة، والأفة من التَّقْلِيد، وَكَيف يَصح مَا قَالَه من ذَلِك وَقد روى عبد بن حميد من طَرِيق عَوْف الْأَعرَابِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِنَّه كَانَ يقْرؤهَا: متكاء، مُخَفّفَة وَيَقُول: هُوَ الأترج، وَأَيْضًا قد روى مثله عَمَّن ذَكَرْنَاهُمْ الْآن.
شَغَفَها يُقَالُ بَلَغَ إلَى شِغافَها وَهُوَ غِلافُ قَلْبِها وَأمّا شَعَفَها فَمِنَ المَشْعُوفِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {امْرَأَة الْعَزِيز تراود فناها عَن نَفسه قد شغفها حبا إِنَّا لنراها فِي ضلال مُبين} (يُوسُف: 30) قَوْله: (قد شغفها) ، أَي: قد شغف يُوسُف زليخا، يَعْنِي: بلغ حبه إِلَى شغافها، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة فِي ضبط الْمُحدثين، وَعند أهل اللُّغَة بِالْفَتْح، وَهُوَ غلاف قَلبهَا، وَقيل: الشغاف حَبَّة الْقلب، وَقيل: هُوَ علقَة سَوْدَاء فِي صميمه. قَوْله: (وَأما شعفها) ، يَعْنِي: بِالْعينِ الْمُهْملَة فَمن المشعوف، يُقَال: فلَان مشعوف بفلان إِذا بلغ بِهِ الْحبّ أقْصَى الْمذَاهب، وَيُقَال: فلَان شعفه الْحبّ، أَي أحرق قلبه.
أصْبُ أمِيلُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن قَول يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام: {وإلاَّ تصرف عني كيدهن أَصْبُ إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} (يُوسُف: 33) وَفسّر: أصبُ، بقوله: أميل، يُقَال: صبا إِلَى اللَّهْو، يصبو صبوا إِذا مَال إِلَيْهِ، وَمِنْه سمي الصَّبِي لِأَنَّهُ يمِيل إِلَى كل شَيْء.
أضْغَاثُ أحْلامٍ مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أضغاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين} (يُوسُف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وَهُوَ ملْء الْيَد من حشيش، وَفسّر قَوْله: أضغاث أَحْلَام، بقوله: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ لِأَنَّهُ من الأخلاط والرؤيا الكاذبة الَّتِي لَا أصل لَهَا. وَقَوله: (أضغاث أَحْلَام) فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (مَا لَا تَأْوِيل لَهُ) ، خَبره وَكلمَة مَا مَوْصُولَة.
وَالضِّغْثُ مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثا لَا مِنْ قَوْلِهِ أضْغاثُ أحْلامٍ وَاحِدُها ضِغْثٌ
أَشَارَ بقوله: {والضغث} إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الضغث وَاحِد. الأضغاث وَالْآخر: أَن تَفْسِيره بملء الْيَد من حشيش وَمَا أشبهه، وَأَرَادَ أَن الضغث الَّذِي هُوَ ملْء الْكَفّ من أَنْوَاع الْحَشِيش هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ} (ص: 44) وَذَلِكَ فِي قصَّة أَيُّوب، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن المُرَاد من الأضغاث هُنَا هُوَ الَّذِي واحده ضغث الَّذِي هُوَ بِمَعْنى مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} مَا حَاصله أَن الضغث فِي قَوْله: (وَخذ بِيَدِك ضغثا) بِمَعْنى: ملْء الْكَفّ من الْحَشِيش، لَا بِمَعْنى: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أخلاط أَحْلَام، وروى أَبُو يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: هِيَ الأحلام الكاذبة.