نبه بالورس والزعفران على مَا سواهُمَا من أَنْوَاع الطّيب وَهُوَ حرَام على الرجل وَالْمَرْأَة فَإِن قلت مَا تقدم عَلَيْهِ وَمَا تَأَخّر عَنهُ خَاص بِالرِّجَالِ فَمن أَيْن علم عُمُومه وخصوصهما قلت الْخُصُوص من حَيْثُ أَن الْأَلْفَاظ كلهَا للمذكرين وَأما الْعُمُوم فَمن الْأَدِلَّة الْخَارِجَة عَن هَذَا الحَدِيث وَلَو كَانَت الرِّوَايَة بِرَفْع وَلَا ثوب فَالْجَوَاب أظهر قَالَ الْعلمَاء وَالْحكمَة فِي تَحْرِيم اللبَاس الْمَذْكُور على الْمحرم أَن يبعد من الترفه ويتصف بِصفة الخاشع الذَّلِيل وليتذكر أَنه محرم فِي كل وَقت فَيكون أقرب إِلَى كَثْرَة أذكاره وأبلغ فِي مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارْتِكَاب الْمَحْظُورَات وليتذكر بِهِ الْمَوْت ولباس الأكفان والبعث يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة مهطعين إِلَى الدَّاعِي وَالْحكمَة فِي تَحْرِيم الطّيب أَن يبعد من زِينَة الدُّنْيَا وَلِأَنَّهُ دَاع إِلَى الْجِمَاع وَلِأَنَّهُ يُنَافِي الْحَاج فَإِنَّهُ أَشْعَث أغبر ومحصله إِرَادَة أَن يجمع همه لمقاصد الْآخِرَة قَوْله وَلَا ثوبا مَسّه الورس فَإِن قلت فَلم عدل عَن طَريقَة أخواته قلت لِأَن الطّيب حرَام على الرجل وَالْمَرْأَة فَأَرَادَ أَن يعمم الحكم للْمحرمِ والمحرمة بِخِلَاف الثِّيَاب الْمَذْكُورَة فَإِنَّهَا حرَام على الرِّجَال فَقَط قَوْله فليقطعهما قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت فَإِذا فقد النَّعْل فَهَل يجب لبس الْخُف الْمَقْطُوع لِأَن ظَاهر الْأَمر الْوُجُوب قلت لَا إِذْ هُوَ شرع للتسهيل فَلَا يُنَاسب التثقيل قلت هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ مَذْهَب إِمَامه فَإِن الْقطع وَاجِب بِظَاهِر الْأَمر عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء إِلَّا أَن أَحْمد جوزه بِدُونِ الْقطع وَزعم أَصْحَابه أَن الْقطع إِضَاعَة وَهُوَ القَوْل بِالرَّأْيِ بِعَيْنِه ومنازعة السّنة بِهِ وَأوجب أَبُو حنيفَة الْفِدْيَة على من لم يقطعهُ (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول قَالَ ابْن بطال فِيهِ من الْفِقْه أَنه يجوز للْعَالم إِذا سُئِلَ عَن الشَّيْء أَن يُجيب بِخِلَافِهِ إِذا كَانَ فِي جَوَابه بَيَان مَا يسْأَل عَنهُ وَأما الزِّيَادَة على السُّؤَال فَحكم الْخُف وَإِنَّمَا زَاد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعلمه بِمَشَقَّة السّفر وَمِمَّا يلْحق النَّاس من الحفي بِالْمَشْيِ رَحْمَة لَهُم وَلذَلِك يجب على الْعَالم أَن يُنَبه النَّاس فِي الْمسَائِل على مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ويتسعون فِيهِ مَا لم يكن ذَرِيعَة إِلَى ترخيص شَيْء من حُدُود الله تَعَالَى الثَّانِي فِيهِ بَيَان حُرْمَة لبس الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة على الْمحرم وَهَذَا إِجْمَاع الثَّالِث فِيهِ حُرْمَة لبس الثَّوْب الَّذِي مَسّه ورس أَو زعفران وَأطلق حرمته جمَاعَة مِنْهُم مُجَاهِد وَهِشَام بن عُرْوَة وَعُرْوَة بن الزبير وَمَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَنهُ فَإِنَّهُم قَالُوا كل ثوب مَسّه ورس وزعفران لَا يجوز لبسه للْمحرمِ سَوَاء كَانَ مغسولا أَو لم يكن لإِطْلَاق الحَدِيث وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حزم الظَّاهِرِيّ وَخَالفهُم جمَاعَة وهم سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَطَاوُس وَقَتَادَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأَبُو ثَوْر فَإِنَّهُم أَجَازُوا للْمحرمِ لبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالورس أَو الزَّعْفَرَان إِذا كَانَ غسيلا لَا ينفض لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور إِلَّا أَن يكون غسيلا وَأورد هَذِه الزِّيَادَة الطَّحَاوِيّ فِي مَعَاني الْآثَار قَالَ حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد قَالَ حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة ح وَحدثنَا ابْن أبي عمرَان قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن عبيد الله بن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الحَدِيث الْمَذْكُور وَزَاد إِلَّا يكون غسيلا قَالَ ابْن أبي عمرَان رَأَيْت يحيى بن معِين وَهُوَ يتعجب من الْحمانِي إِذْ يحدث بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن هَذَا عِنْدِي ثمَّ وثب من فوره فجَاء بِأَصْلِهِ فَأخْرج مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره يحيى الْحمانِي فَكتب عَنهُ يحيى بن معِين فقد ثَبت بِمَا ذكرنَا اسْتثِْنَاء رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الغسيل مِمَّا قد مَسّه ورس أَو زعفران انْتهى كَلَامه فَإِن قلت قَالَ ابْن حزم وَلَا نعلمهُ صَحِيحا وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَبُو مُعَاوِيَة مُضْطَرب الحَدِيث فِي أَحَادِيث عبيد الله وَلم يَجِيء بِهَذَا أحد غَيره إِلَّا أَن يكون غسيلا قلت هَذَا يحيى بن معِين كَانَ أَولا يُنكر على يحيى بن عبد الحميد الْحمانِي يَقُول كَيفَ يحدث بِهَذَا الحَدِيث ثمَّ لما قَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ هَذَا الحَدِيث عِنْدِي وَأخرج لَهُ من أَصله عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره الْحمانِي بِهَذِهِ الزِّيَادَة كتب عَنهُ يحيى بن معِين وَكفى حجَّة لصِحَّة هَذِه الزِّيَادَة شَهَادَة عبد الرَّحْمَن وَكِتَابَة يحيى بن معِين وَرِوَايَة أبي مُعَاوِيَة وَأَبُو مُعَاوِيَة ثِقَة ثَبت وَقَول ابْن حزم وَلَا نعلمهُ صَحِيحا نفى علمه بِصِحَّتِهِ وَهَذَا لَا يسْتَلْزم نفي صِحَّته فِي علم غَيره فَافْهَم الرَّابِع فِيهِ جَوَاز لبس الْخُفَّيْنِ إِذا لم يجد النَّعْلَيْنِ وَلَكِن بِشَرْط قطعهمَا فالجمهور على وجوب الْقطع كَمَا ذكرنَا وَجوزهُ أَحْمد بِغَيْر قطع وَهُوَ مَذْهَب عَطاء أَيْضا واستدلا فِي ذَلِك بِظَاهِر حَدِيث جَابر أخرجه مُسلم من لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ وَبِحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه البُخَارِيّ وَمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015