الصَّوْت وثمان سِنِين يُوحى إِلَيْهِ، وَكَذَا ذكره الْحسن، وَعَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: نزل الْقُرْآن بِمَكَّة عشرا أَو خمْسا، يَعْنِي: سِنِين أَو أَكثر، وَعَن الْحسن أَيْضا: أنزل عَلَيْهِ ثَمَان سِنِين بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة وَعشر سِنِين بِالْمَدِينَةِ. قلت: قَول البُخَارِيّ هُوَ قَول الْأَكْثَر، وَكَانَ النُّزُول يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان وَقيل: لتسْع، وَقيل: لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة، فِيمَا ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن أبي قلَابَة: نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، وَعند المَسْعُودِيّ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لعشر خلون من ربيع الأول وَعند ابْن إِسْحَاق: ابْتِدَاء التَّنْزِيل يَوْم الْجُمُعَة من رَمَضَان وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِع شباط لسبع مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين عَاما من سني ذِي القرنين، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْفِيل، وَقيل: فِي أول ربيع وَفِي (تَارِيخ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي) : على رَأس خمس عشرَة سنة من بُنيان الْكَعْبَة، وَعَن مَكْحُول: أُوحِي إِلَيْهِ بعد اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين سنة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَابْن أبي عَاصِم والدولابي فِي (تَارِيخه) : نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة، لسبع وَعشْرين من رَجَب، قَالَه الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعند الْحَاكِم مصححاً: إِن إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وكل بِهِ أَولا ثَلَاث سِنِين، قبل جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَأنكر ذَلِك الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أهل الْعلم ببلدنا يُنكرُونَ أَن يكون وكل بِهِ غير جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَزعم السُّهيْلي أَن إسْرَافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وكل بِهِ تدرباً وتدريجاً لجبريل، عَلَيْهِ السَّلَام، كَمَا كَانَ أول نبوته الرُّؤْيَا الصادقة.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَقِي أَصْحَابه من أَذَى الْمُشْركين حَال كَونهم بِمَكَّة.
2583 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنَا سُفْيَانُ حدَّثنَا بَيانٌ وإسْمَاعِيلُ قالاَ سَمِعْنَا قَيْسَاً يَقُولُ سَمِعْتُ خَبَّابَاً يَقُولُ أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ وهْوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ ألاَ تَدْعُو الله فقَعَدَ وهْوَ مُحْمَرٌّ وجْهُهُ فَقالَ لَقَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحمٍ أوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ ويُوضَعُ المِنْشَارُ علَى مَفْرِقِ رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ ولَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخافُ إلاَّ الله. زَادَ بَيانٌ والذِّئْبُ علَى غَنَمِهِ. (انْظُر الحَدِيث 2163 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا من الْمُشْركين شدَّة) . والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده حميد، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر الأحمسي الْمعلم الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن الأرتّ، بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن حَنْظَلَة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس عَن خباب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَهُوَ مُتَوَسِّد) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (برده) بهاء الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بردة، بتاء الْإِفْرَاد. قَوْله: (وَهُوَ فِي ظلّ الْكَعْبَة) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَنه مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة. قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا) ، الْوَاو فِيهِ أَيْضا للْحَال وَإِن كَانَ يحْتَمل غَيره. قَوْله: (وَهُوَ محمر وَجهه) الْوَاو فِيهِ للْحَال، قيل: من أثر النّوم، وَقَالَ ابْن التِّين: من الْغَضَب وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (من كَانَ) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون مَوْصُول، وَأَرَادَ بهم الْأَنْبِيَاء تقدمُوا وأتباعهم. قَوْله: (ليمشط) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بمشاط الْحَدِيد) بِكَسْر الْمِيم فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (بِأَمْشَاط) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَكِلَاهُمَا جمع مشط بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، وَأنكر ابْن دُرَيْد الْكسر فِي الْمُفْرد. قَوْله: (ذَلِك) ، أَي: قَتلهمْ الْمُسلمين من الْمشْط أَو الأمشاط، وَكِلَاهُمَا مصدر. قَوْله: (وَيُوضَع الْمِنْشَار) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي ينشر بهَا الأخشاب، ويروى: (الميشار) ،