(إِنِّي رَسُول الله وَلنْ يضيعني الله، فَرجع متغيظاً وَلم يصبر جتى جَاءَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) وَأخرجه الْبَزَّار من حَدِيث عمر نَفسه مُخْتَصرا، وَلَفظه: (قَالَ عمر: اتهموا الرَّأْي على الدّين، فَلَقَد رَأَيْتنِي أرد أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، برأيي وَمَا آلوت عَن الْحق) . وَفِيه: قَالَ: فَرضِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأبيت حَتَّى قَالَ: (يَا عمر! تراني رضيت وتأبى؟) قَوْله: (فَلِمَ نعطي الدنية؟) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي: النقيصة والخصلة الخسيسة. قَوْله: (إِذا) أَي: حِينَئِذٍ. قَوْله: (قَالَ: إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه) تَنْبِيه لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: إِنَّمَا أفعل هَذَا من أجل مَا اطلعني الله عَلَيْهِ من حبس النَّاقة، وَإِنِّي لست أفعل ذَلِك برأيي وَإِنَّمَا هُوَ بِوَحْي. قَوْله: (قَالَ: أَيهَا الرجل) يُخَاطب بِهِ أَبَا بكر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَوْله: (إِنَّه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِن مُحَمَّدًا لَرَسول الله، ويروى: إِنَّه رَسُول الله، بِلَا لَام. قَوْله: (فَاسْتَمْسك بغرزه) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء، وبالزاي وَهُوَ فِي الأَصْل لِلْإِبِلِ بِمَنْزِلَة الركاب للسرج، أَي: صَاحبه، وَلَا تخَالفه. قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ) ، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول إِلَى الزُّهْرِيّ بالسند الْمَذْكُور، وَهُوَ مُنْقَطع بَين الزُّهْرِيّ وَعمر قَوْله: (فَعمِلت لذَلِك أعمالاً) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي من الْمَجِيء والذهاب وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب، ورد عَلَيْهِ هَذَا التَّفْسِير، بل المُرَاد مِنْهُ الْأَعْمَال الصَّالِحَة ليكفر عَنهُ مَا مضى من التَّوَقُّف فِي الِامْتِثَال ابْتِدَاء، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا رُوِيَ عَنهُ التَّصْرِيح بمراده، بقوله: أعمالاً، فَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق (فَكَانَ عمر يَقُول: مَا زلت أَتصدق وَأَصُوم وأصلي وَأعْتق من الَّذِي صنعت يَوْمئِذٍ مَخَافَة كَلَامي الَّذِي تَكَلَّمت بِهِ) . وَرُوِيَ الْوَاقِدِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لقد أعتقت بِسَبَب ذَلِك رقاباً وَصمت دهراً. قَوْله: (فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل) هَذَا لم يكن مِنْهُم مُخَالفَة لأَمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا كَانُوا ينتظرون إِحْدَاث الله تَعَالَى لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف ذَلِك، فَيتم لَهُم قَضَاء نسكهم، فَلَمَّا رَأَوْهُ جَازِمًا قد فعل النَّحْر وَالْحلق علمُوا أَنه لَيْسَ وَرَاء ذَلِك غَايَة تنْتَظر، فبادروا إِلَى الإيتمار بقوله والإيتساء بِفِعْلِهِ، وظنوا أَن أمره، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك للنَّدْب. قَوْله: (فَقَالَت أم سَلمَة: يَا نَبِي الله أخرج فَلَا تكلم أحدا مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: قَالَت أم سَلمَة: يَا رَسُول الله: لَا تلمهم فَإِنَّهُم قد دخلهم أَمر عَظِيم مِمَّا أدخلت على نَفسك من الْمَشَقَّة فِي أَمر الصُّلْح، ورجوعهم بِغَيْر فتح، وَيحْتَمل أَنَّهَا فهمت عَن الصَّحَابَة أَنه احْتمل عِنْدهم أَن يكون النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهم بالتحلل أخذا بِالرُّخْصَةِ فِي حَقهم، وَأَنه هُوَ يسْتَمر على الْإِحْرَام أخذا بالعزيمة فِي حق نَفسه، فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ أَن يتَحَلَّل لينتفي عَنْهُم هَذَا الِاحْتِمَال، وَعرف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوَاب مَا أشارت بِهِ فَفعله، فَلَمَّا رأى الصَّحَابَة ذَلِك بَادرُوا إِلَى فعل مَا أَمرهم بِهِ، إِذْ لم يبْق بعد ذَلِك غَايَة تنْتَظر. قَوْله: (نحر بدنه) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هَدْيه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ سبعين بَدَنَة، كَانَ فِيهَا جمل لأبي جهل فِي رَأسه برة من فضَّة، وليغيظ بِهِ الْمُشْركين، وَكَانَ غنمه فِي غَزْوَة بدر. قَوْله: (ودعا حالقه) ، قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: بَلغنِي أَن الَّذِي حلقه فِي ذَلِك الْيَوْم هُوَ خرَاش بن أُميَّة بن الْفضل الْخُزَاعِيّ، وخراش، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. قَوْله: (غما) أَي: ازدحاماً. قَوْله: (ثمَّ جَاءَهُ نسْوَة مؤمنات) ، قيل: ظَاهره أَنَّهُنَّ جئن إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا جئن إِلَيْهِ بعد فِي أثْنَاء مُدَّة الصُّلْح (فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} (الممتحنة: 01) . قَالَ ابْن كثير: وَفِي سِيَاق البُخَارِيّ: ثمَّ جَاءَ نسْوَة مؤمنات، يَعْنِي: بعد أَن حلق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأنْزل الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} حَتَّى بلغ: {بعصم الكوافر} (الممتحنة: 01) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الصُّلْح فِي: بَاب مَا يجوز من الشُّرُوط فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة. قَوْله: (رجل من قُرَيْش) يَعْنِي: هُوَ رجل من قُرَيْش، أَي: بِالْحلف، واسْمه: عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل فِيهِ: عبيد مصغر عبد وَهُوَ وهم: ابْن أسيد، بِفَتْح الْهمزَة على الصَّحِيح: ابْن جَارِيَة، بِالْجِيم: الثَّقَفِيّ قَوْله: (وَهُوَ مُسلم) جملَة حَالية. قَوْله: (فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ) هما: خُنَيْس، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن جَابر، وَمولى لَهُ يُقَال لَهُ: كوثر، وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب أَن الْأَخْنَس بن شريق هُوَ الَّذِي أرسل فِي طلبه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: كتب