أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول االنبي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْحسنِ بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِلَى آخِره، قَوْله: (ابْني هَذَا) جملَة إسمية. لِأَن قَوْله: ابْني، خبر عَن قَوْله: هَذَا، قَوْله: (سيد) ، خبر بعد خبر، وَالسَّيِّد الرئيس، قَالَ كرَاع: وَجمعه سادة، قيل: سادة جمع: سائد، وَهُوَ من السؤدد، وَهُوَ الشّرف، وَقَالَ ابْن سَيّده: وَقد يهمز السؤدد وتضم، وَقد سادهم سُودًا وسودداً وسيادة وسيدودة، واستادهم كسادهم، وسوده هُوَ، وَذكر الزبيدِيّ فِي كِتَابه (طَبَقَات النَّحْوِيين) : أَن أَبَا مُحَمَّد الْأَعرَابِي قَالَ لإِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الثائر بأشبيلية: بِاللَّه أَيهَا الْأَمِير مَا سيَّدتْكَ الْعَرَب إلاَّ بحقك، يَقُولهَا بِالْيَاءِ، فَلَمَّا أنكر عَلَيْهِ، قَالَ: السوَاد السخام، وأصر على أَن الصَّوَاب مَعَه، ومالأه على ذَلِك الْأَمِير لعظم مَنْزِلَته فِي الْعلم. وَقيل: اشتقاق السَّيِّد من السوَاد، أَي: الَّذِي يَلِي السوَاد الْعَظِيم من النَّاس. قَوْله: (وَلَعَلَّ الله) ، اسْتعْمل: لَعَلَّ، اسْتِعْمَال: عَسى، لاشْتِرَاكهمَا فِي الرَّجَاء. قَوْله: (فئتين عظيمتين) ووصفهما بالعظيمتين لِأَن الْمُسلمين كَانُوا يَوْمئِذٍ فرْقَتَيْن: فرقة مَعَ الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفرْقَة مَعَ مُعَاوِيَة، وَهَذِه معْجزَة عَظِيمَة من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أخبر بِهَذَا فَوَقع مثل مَا أخبر.
وأصل الْقَضِيَّة أَن عَليّ بن أبي طَالب، لما ضربه عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي يَوْم الْجُمُعَة لثلاث عشرَة بقيت من رَمَضَان من سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَالَ ابْن الْهَيْثَم: ضربه فِي لَيْلَة سَبْعَة وَعشْرين من رَمَضَان، وَقَالَ أَبُو الْيَقظَان: فِي اللَّيْلَة السَّابِعَة عشر من رَمَضَان، وَقَالَ الْحسن: كَانَت لَيْلَة الْقدر، اللَّيْلَة الَّتِي عرج فِيهَا بِعِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ونبىء فِيهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَات فِيهَا مُوسَى ويوشع بن نون، عَلَيْهِمَا السَّلَام، مكث يَوْم الْجُمُعَة وَلَيْلَة السبت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة، وبويع لِابْنِهِ الْحسن بالخلافة فِي شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة، فَقيل: فِي الْيَوْم الَّذِي اسْتشْهد فِيهِ عَليّ، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَقيل: فِي اللَّيْلَة الَّتِي دفن فِيهَا، وَقيل: بعد وَفَاته بيومين، وَقَالَ هِشَام: وَأقَام الْحسن أَيَّامًا مفكراً فِي أمره ثمَّ رأى اخْتِلَاف النَّاس فرقة من جِهَته وَفرْقَة من جِهَة مُعَاوِيَة، وَلَا يَسْتَقِيم الْأَمر، وَرَأى النّظر فِي إصْلَاح الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ أولى من النّظر فِي حَقه، سلَّم الْخلَافَة لمعاوية فِي الْخَامِس من ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين، وَقيل: من ربيع الْأُخَر، وَقيل: فِي غرَّة جمادي الأولى، وَكَانَت خِلَافَته سِتَّة أشهر إلاَّ أَيَّامًا. وَسمي هَذَا الْعَام عَام الْجَمَاعَة. وَهَذَا الَّذِي أخبر بِهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين) .
وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِذكر هَذِه الْقطعَة من الْآيَة الْكَرِيمَة: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} (الحجرات: 9) . إِلَى أَن الصُّلْح أَمر مَشْرُوع ومندوب إِلَيْهِ.
4072 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الحسَنَ يَقُولُ اسْتَقْبَلَ وَالله الحَسَنُ بنُ علِيٍّ مُعاوِيَةَ بِكَتائِبَ أمْثَالِ الجبالِ فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ إنّى لأرى كَتَائِبَ لاَ تولِّي حتَّى تَقْتُلَ أقْرَانَها فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وكانَ وَالله خَيْرُ الرُّجُلَيْنِ أيْ عَمْرُو إنْ قَتَلَ هَؤُلاءِ هَؤلاءِ وهَؤلاءِ هؤُلاءِ مَن لِي بأمُورِ النَّاس مَنْ لِي بِنِسائِهِمْ منْ لي بِضَيْعَتِهِمْ فبَعَثَ إلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِن بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ سَمُرَةَ وعَبْدَ الله بنَ عامِرِ بنِ كرَيْز فَقَالَ اذْهَبَا إلَى هَذَا الرَّجُلِ فاعْرِضَا عَلَيْهِ وقُولاَ لَهُ واطْلُبَا إلَيْهِ فأتَياهُ فَدَخَلا عَلَيْهِ فتَكَلَّمَا وَقَالا لَهُ فطَلَبا إلَيْهِ فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قدْ أصَبْنَا مِنَ المَالِ وإنَّ هذِهِ الأمَّةَ قدْ عاثَتْ فِي دِمائِهَا قَالَا فإنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كذَا وكَذَا ويَطْلُبُ إلَيْكَ ويَسْألُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بهَذا قَالَا نَحْنُ