من قبله من كتاب} (العنكبوت: 84) . الْآيَة، لِأَنَّهُ تَلا بعد، وَأما قَوْله: (إِنَّا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب) ، لِأَنَّهُ كَانَ فيهم من يكْتب، لَكِن عَادَة الْعَرَب يسمون الْجُمْلَة باسم أَكْثَرهَا، فَلذَلِك كَانَ أَكثر أمره أَن لَا يحسن، فَكتب مرّة. وَقيل: لما أَخذ الْقَلَم أوحى الله إِلَيْهِ فَكتب، وَقيل: مَا مَاتَ حَتَّى كتب، وَقيل: كتب على الِاتِّفَاق من غير قصد، وَوَقع فِي بعض نسخ أَطْرَاف أبي مَسْعُود أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْكتاب، وَلم يحسن أَن يكْتب، فَكتب مَكَان رَسُول الله: مُحَمَّدًا، وَكتب: (هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد) وَالثَّابِت مَا ذَكرْنَاهُ أَنه أَمر عليا فَكتب. وَفِي رِوَايَة: فَأخذ الْكتاب، وَلَيْسَ يحسن يكْتب وَأَن من معجزاته أَنه يحسن من وقته، لِأَنَّهُ خرق للْعَادَة، وَقَالَ بِهِ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ، وصنف فِيهِ وَأنكر عَلَيْهِ، وَقَالَ السُّهيْلي: وَكتب على ذَلِك الْيَوْم نسختين إِحْدَاهمَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأُخْرَى مَعَ سُهَيْل، وَشهد فيهمَا أَبُو بكر وَعمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَأَبُو عُبَيْدَة ابْن الْجراح وَمُحَمّد بن مسلمة وَمِكْرَز بن حَفْص وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى. قَوْله: (هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله: لَا يدْخل مَكَّة) هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا فِي الذِّهْن مُبْتَدأ وَقَوله: مَا قاضى، خَبره، ومفسر لَهُ. وَقَوله: لَا يدْخل، تَفْسِير للتفسير. قَوْله: (وَأَن لَا يخرج من أَهلهَا بِأحد إِن أَرَادَ أَن يتبعهُ) لَا يخرج، بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج من أَهلهَا، أَي: من أهل مَكَّة. فَإِن قلت: خرجت بنت حَمْزَة وَمَضَت مَعَه؟ قلت: النِّسَاء لم يدخلن فِي الْعَهْد، وَالشّرط إِنَّمَا وَقع فِي الرِّجَال فَقَط، وَقد بَينه البُخَارِيّ فِي كتاب الشُّرُوط بعد هَذَا، وَفِي بعض طرقه: فَقَالَ سُهَيْل: وعَلى أَن لَا يَأْتِيك منَّا رجل هُوَ على دينك إلاَّ رَددته إِلَيْنَا، وَلم يذكر النِّسَاء، فصح بِهَذَا أَن أَخذه لابنَة حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ لهَذِهِ الْعلَّة. ألاَ ترَاهُ رد أَبَا جندل إِلَى أَبِيه، وَهُوَ الْعَاقِد لهَذِهِ المقاضاة؟ وَقَالَ البُخَارِيّ، فِيمَا سَيَأْتِي: قَول الله تَعَالَى: {إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات} (الممتحنة: 21) . فِيهِ نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِن هَذَا الْعَهْد كَانَ يَقْتَضِي أَن لَا يَأْتِيهِ مُسلم إلاَّ رده، فنسخ الله تَعَالَى ذَلِك فِي النِّسَاء خَاصَّة، على أَن لفظ المقاضاة: لَا يَأْتِيك رجل، وَهُوَ إِخْرَاج النِّسَاء، وَقَالَ السُّهيْلي: وَفِي قَول سُهَيْل: لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إلاَّ رَددته، مَنْسُوخ عِنْد أبي حنيفَة بِحَدِيث سَرِيَّة خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين وَجهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خثعم، وَفِيهِمْ نَاس مُسلمُونَ، فَاعْتَصمُوا بِالسُّجُود، فَقَتلهُمْ خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فوداهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الدِّيَة، وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم بَين مُشْرِكين. قَوْله: (فَلَمَّا دَخلهَا) ، أَي: مَكَّة فِي الْعَام الْمقبل، (وَمضى الْأَجَل) أَي: قرب انْقِضَاء الْأَجَل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} (الْبَقَرَة: 432 وَالطَّلَاق: 2) . وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لِئَلَّا يلْزم عدم الْوَفَاء بِالشّرطِ. قَوْله: (فتبعتهم ابْنة حَمْزَة) ، وَهِي أُمَامَة. وَقيل: عمَارَة، وَأمّهَا سلمى بنت عُمَيْس. قَوْله: (يَا عَم) مرَّتَيْنِ إِن قَالَت لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ عَمها من الرضَاعَة، وَإِن قالته لزيد فَكَانَ مصافياً لِحَمْزَة ومؤاخياً لَهُ. قَوْله: (دُونك) ، يَعْنِي: خذيها، وَهُوَ من أَسمَاء الْأَفْعَال، وَفِي رِوَايَة: أَن زيدا أَتَى بهَا، وَاحْتج حِين خَاصم فِيهَا لِأَنَّهُ تجشم الْخُرُوج بهَا، قَالَ ابْن التِّين: أما أَن يكون فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وهم، أَو يكون خرج مرّة فَلم يَأْتِ بهَا وسعت إِلَيْهِ فِي هَذِه الْمرة فَأتى بهَا (فَتَنَاولهَا عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَفِيه: يتَنَاوَل غير ذَات الْمحرم عِنْد الِاضْطِرَار إِلَيْهِ، وَالصَّحِيح أَنَّهَا الْآن ذَات محرم، لِأَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أُخْتهَا من الرضَاعَة، وَهِي تَحت عَليّ، فَهِيَ ذَات محرم، إلاَّ أَنَّهَا غير مُؤَبّدَة التَّحْرِيم. قَوْله: (حملتها) ، بِلَفْظ الْمَاضِي، وَلَعَلَّ الْفَاء فِيهِ محذوفة، ويروى: احمليها، وَفِي رِوَايَة: احتمليها. قَوْله: (فَقَالَ زيد: ابْنة أخي) أَي: قَالَ زيد بن حَارِثَة: هِيَ ابْنة أخي، وَلَيْسَت بابنة أَخِيه، فَإِن أَبَا زيد هُوَ حَارِثَة، وَأَبا حَمْزَة هُوَ عبد الْمطلب، وَأم حَمْزَة هَالة، وَأم زيد سعدى، وَلَا رضَاع بَينهمَا، لِأَن زيدا كَانَ ابْن ثَمَان سِنِين لما دخل مَكَّة وخالط قُريْشًا، وَإِنَّمَا آخى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين زيد وَبَين حَمْزَة، فَقَالَ ذَلِك بِاعْتِبَار هَذِه المؤاخاة. قَوْله: (فَقضى بهَا) ، أَي: بابنة حَمْزَة (لخالتها) . وفيهَا: دلَالَة أَن للخالة حَقًا فِي الْحَضَانَة، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم. قَوْله: (وَقَالَ لعَلي) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنْت مني) أَي: مُتَّصِل بِي، و: من، هَذِه تسمى اتصالية، فطيب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلُوب الْكل بِنَوْع من التشريف على مَا يَلِيق بِالْحَال. وَفِيه: منقبة عَظِيمَة جليلة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأعظم من قَوْله: (أَنْت مني) قَوْله: (وَأَنا مِنْك) . قَوْله: (أشبهت خَلقي وخُلقي) الأول بِفَتْح الْخَاء وَالثَّانِي بضَمهَا. قَوْله: (أَنْت أخونا) أَي بِاعْتِبَار أخوة الْإِسْلَام، وَالْمرَاد بقوله: (ومولانا) ، الْمولى الْأَسْفَل لِأَنَّهُ أَصَابَهُ سباء فاشتري لِخَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَوَهَبته للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ صبي فَأعْتقهُ وتبناه، قَالَ ابْن عمر: مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إلاَّ زيد بن مُحَمَّد حَتَّى نزلت: {أدعوهم لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) . وآخى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينه وَبَين حَمْزَة، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله