فَإِذا أَدَّاهَا عتق وَرجع بهَا المضمن على العَبْد فاستسعاه فِيهَا، وَكَانَ الْوَلَاء للْمُعْتق، وَإِن كَانَ الْمُعْتق مُعسرا فالشريك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ استسعى العَبْد فِي نصف قِيمَته، فإيهما فعل فَالْولَاء بَينهمَا نِصْفَانِ. وَحَاصِل مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنه يرى بتجزىء الْعتْق، وَأَن يسَار الْمُعْتق لَا يمْنَع السّعَايَة، وَاحْتج أَبُو حنيفَة فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، على مَا يَجِيء عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة على مَا يَجِيء بعد هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُمَا يدلان على تجزىء الْإِعْتَاق وعَلى ثُبُوت السّعَايَة أَيْضا، على مَا سنبينه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
2252 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ أعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ فكانَ لَهُ مالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قيمَةَ عَدْلٍ فأعْطَى شُرَكَاءَهُ حصَصَهُمْ وعَتَقَ عَلَيْهِ وإلاَّ فَقدْ عَتَقَ منْهُ مَا عتَقَ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْعتْق عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عُثْمَان بن عمر، الْكل عَن مَالك عَن نَافِع.
قَوْله: (شركا) ، بِكَسْر الشين، أَي: نَصِيبا. قَوْله: (فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ) ، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ لَهُ مَا يبلغ أَي شَيْء يبلغ، وَإِنَّمَا قيد بقوله: يبلغ، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ مَال لَا يبلغ ثمن العَبْد لَا يقوم عَلَيْهِ مُطلقًا، لَكِن الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يسرى إِلَى الْقدر الَّذِي هُوَ مُوسر بِهِ تنفيذاً لِلْعِتْقِ بِحَسب الْإِمْكَان، وَبِه قَالَ مَالك. قَوْله: (ثمن العَبْد) أَي: ثمن بَقِيَّة العَبْد، لِأَنَّهُ مُوسر بِحِصَّتِهِ، وَقد أوضح ذَلِك النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته من طَرِيق زيد بن أبي أنيسَة عَن عبيد الله بن عمر وَعمر بن نَافِع وَمُحَمّد بن عجلَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِلَفْظ: وَله مَال يبلغ قيمَة أنصباء شركائه، فَإِنَّهُ يضمن لشركائه أنصباءهم وَيعتق العَبْد، وَالْمرَاد بِالثّمن هُنَا الْقيمَة، لِأَن الثّمن مَا اشْتريت بِهِ الْعين، وَاللَّازِم هُنَا الْقيمَة لَا الثّمن. قَوْله: (قوم) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (قيمَة عدل) ، وَهُوَ أَن لَا يُزَاد من قِيمَته وَلَا ينقص. قَوْله: (فَأعْطى شركاءه) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: إِن أعْطى، على بِنَاء الْفَاعِل وشركاءه بِالنّصب على المفعولية، وَرُوِيَ: (فَأعْطِي) على صِيغَة الْمَجْهُول، و: شركاؤه، بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل. قَوْله: (حصصهم) أَي: قيمَة حصصهم. قَوْله: (وإلاَّ) أَي: وَإِن لم يكن مُوسِرًا فقد عتق مِنْهُ حِصَّته، وَهِي مَا عتق. وَبِهَذَا الحَدِيث احْتج ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي: أَن وجوب الضَّمَان على الْمُوسر خَاصَّة دون الْمُعسر، يدل عَلَيْهِ قَوْله: (وإلاَّ فقد عتق مِنْهُ مَا عتق) . وَقَالَ زفر: يضمن قيمَة نصيب شَرِيكه، مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا. وَيخرج العَبْد كُله حرا لِأَنَّهُ جنى على مَال رجل، فَيجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا أتلف بِجِنَايَتِهِ، وَلَا يفْتَرق الحكم فِيهِ، سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
3252 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعيلَ عنْ أبِي أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أَعْتَقَ شِرْكا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إنْ كانَ لَهُ مَالٌ يَبْلغُ ثَمَنُهُ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قيمَةَ عَدْلٍ عَلى الْمُعْتِقِ فأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أعْتَقَ..
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله، يكنى: أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، يروي عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع إِلَى آخِره. قَوْله: (فَعَلَيهِ) أَي: فعلى من أعتق شركا، أَي: نَصِيبا لَهُ. قَوْله: (كُله) ، بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ تَأْكِيد لقَوْله فِي: مَمْلُوك، وَقَالَ بَعضهم: كُله، بجر اللَّام تَأْكِيدًا للضمير الْمُضَاف، أَي: عتق العَبْد كُله. قلت: لَيْسَ هُنَا ضمير مُضَاف حَتَّى يكون تَأْكِيدًا لَهُ، وَفِيه مساهلة جدا. قَوْله: (فَأعتق مِنْهُ مَا أعتق) ، على صِيغَة الْمَجْهُول كِلَاهُمَا، وَهَذَا جَزَاء الشَّرْط، لِأَن قَوْله: يقوم عَلَيْهِ، صفة مَال وَلَيْسَ بجزاء، فَافْهَم.
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثنا بِشْرٌ عنْ عُبَيْدِ الله اخْتَصَرَهُ