وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) .)

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله أَي فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر} (الْبَقَرَة: 382) . قَوْله: {وَإِن كُنْتُم على سفر} (الْبَقَرَة: 382) . أَي: مسافرين، وتداينتم إِلَى أجل مُسَمّى: {وَلم تَجدوا كَاتبا} (الْبَقَرَة: 382) . يكْتب لكم، قَالَ ابْن عَبَّاس: أَو وجدوه وَلم يَجدوا قرطاساً أَو دَوَاة أَو قَلما {فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . أَي: فَلْيَكُن بدل الْكِتَابَة رهان مَقْبُوضَة فِي يَد صَاحب الْحق. وَقد اسْتدلَّ بقوله: {فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . أَن الرَّهْن لَا يلْزم إلاَّ بِالْقَبْضِ، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ ابْن بطال: جَمِيع الْفُقَهَاء يجوزون الرَّهْن فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَمنعه مُجَاهِد وَدَاوُد فِي الْحَضَر، وَنقل الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يشرع الرَّهْن إلاَّ فِي السّفر حَيْثُ لَا يُوجد الْكَاتِب، وَبِه قَالَ دَاوُد.

8052 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ حدَّثنا قَتادَةُ عنْ أنَس رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ ولَقدْ رَهَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درْعَهُ بِشَعِيرٍ ومَشَيْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وإهَالَة سِنْخَةٍ ولَقَدْ سَمِعْتُهُ يقولُ مَا أصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ صاعٌ وَلَا أمْسَى وإنَّهُم لَتِسْعَةُ أبْياتٍ.

(انْظُر الحَدِيث 9602) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد رهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درعه بشعير) ، وَقد مضى الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بَاب شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسلم عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب عَن أَسْبَاط عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: (وَلَقَد رَهنه) ، مَعْطُوف على شيى مَحْذُوف بيَّنه مَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق أبان الْعَطَّار عَن قَتَادَة عَن أنس: أَن يَهُودِيّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَجَابَهُ، وَلَقَد رهن ... إِلَى آخِره، وَهَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ أَبُو الشَّحْم واسْمه كنيته، وَهُوَ من بني ظفر، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء: وَهُوَ بطن من الْأَوْس وَكَانَ حليفاً لَهُم وَكَانَ قدر الشّعير ثَلَاثِينَ صَاعا كَمَا سَيَأْتِي فِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة فِي الْجِهَاد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: (بِعشْرين صَاعا) ، وَوَقع لِابْنِ حبَان من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة عَن أنس: أَن قيمَة الطَّعَام كَانَت دِينَارا، وَزَاد أَحْمد من طَرِيق شَيبَان: (فَمَا وجد مَا يَفْتكهَا بِهِ حَتَّى مَاتَ) . قَوْله: (درعه) ، بِكَسْر الدَّال يذكر وَيُؤَنث. قَوْله: (بشعير) ، الْبَاء فِيهِ للمقابلة، أَي: رهن درعه فِي مُقَابلَة شعير. قَوْله: (ومشيت) ، أَي: قَالَ أنس: مشيت إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِخَبَر شعير) ، بِالْإِضَافَة وَالْبَاء فِيهِ تتَعَلَّق: بمشيت. قَوْله: (وإهالة) ، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْهَاء: مَا أذيب من الشَّحْم والألية، وَقيل: هُوَ كل دسم جامد، وَقيل: مَا يؤتدم بِهِ من الأدهان. قَوْله: (سنخة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر النُّون وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَي متغيرة الرّيح، وَيُقَال: زنخة أَيْضا بالزاي، مَوضِع السِّين. قَوْله: (وَلَقَد سمعته) ، أَي: قَالَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لقد سَمِعت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول) وَقد مر مَا قَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ وَمَا رد عَلَيْهِ وَمَا أجبْت عَنهُ فِي الْبَاب الْمَذْكُور. قَوْله: (مَا أصبح لآل مُحَمَّد إلاَّ صَاع وَلَا أَمْسَى) . كَذَا بِهَذِهِ الْعبارَة وَقع لجَمِيع الروَاة، وَكَذَا ذكره الْحميدِي فِي الْجمع، وَوَقع لأبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الْكَجِّي عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث، بِلَفْظ: (مَا أصبح لآل مُحَمَّد وَلَا أَمْسَى إلاَّ صَاع) وَهَذَا أحسن وَفِيه تنَازع الفعلان فِي ارْتِفَاع صَاع وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله: (أصبح) ، فعل وفاعله: صَاع، ويقد صَاع آخر فِي قَوْله: وَلَا أَمْسَى، أَي: وَلَا أَمْسَى صَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد عَن أبي عَامر والإسماعيلي من طَرِيقه، وللترمذي من طَرِيق ابْن أبي عدي ومعاذ بن هِشَام، وللنسائي من طَرِيق هِشَام بِلَفْظ: (مَا أَمْسَى فِي آل مُحَمَّد صَاع تمر وَلَا صَاع حب) ، وَالْمرَاد بالآل: أهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،، وَقد بيَّنه بقوله: (وَإِنَّهُم) ، أَي: وَإِن آله لتسعة أَبْيَات، وَأَرَادَ بِهِ بطرِيق الْكِنَايَة تسع نسْوَة، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، وَلم يقل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْمقَالة بطرِيق التضجر، حاشا وكلاَّ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان الْوَاقِع.

وَفِيه من الْفَوَائِد: جَوَاز مُعَاملَة الْكفَّار فِيمَا لم يتَحَقَّق تَحْرِيم عين المتعامل فِيهِ، وَعدم الِاعْتِبَار بِفساد معتقدهم ومعاملاتهم فِيمَا بَينهم. وَفِيه: جَوَاز بيع السِّلَاح وَرَهنه وإجارته وَغير ذَلِك من الْكَافِر مَا لم يكن حَرْبِيّا. وَفِيه: ثُبُوت أَمْلَاك أهل الذِّمَّة فِي أَيْديهم. وَفِيه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015