خشِي أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أحدث فِي ذَلِك أَي: حكم بِمَا هُوَ نَاسخ لما كَانَ يُعلمهُ من جَوَاز ذَلِك، فَترك كِرَاء الأَرْض.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه مَوْصُولا، وأوله: أَن عبد الله كَانَ يكْرِي أرضه حَتَّى بلغه أَن رَافع بن خديج ينْهَى عَن كِرَاء الأَرْض فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا ابْن خديج! مَا هَذَا؟ قَالَ: سَمِعت عمي، وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا يحدثان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الأَرْض، فَقَالَ عبد الله: قد كنت أعلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الأَرْض تكرى، ثمَّ خشِي عبد الله أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدث فِي ذَلِك شَيْئا لم يكن علمه، فَترك كِرَاء الأَرْض. وَقد احْتج بِهَذَا من كره إِجَارَة الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْفِضَّة غير مَنْهِيّ عَنهُ، وَإِنَّمَا النَّهْي الَّذِي ورد عَن كِرَاء الأَرْض فِيمَا إِذا أكريت بِشَيْء مَجْهُول، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور، وَدلّ عَلَيْهِ أَيْضا حَدِيث الْبَاب، وَقد مر أَن طَائِفَة قَليلَة لم يجوزوا كِرَاء الأَرْض مُطلقًا.
وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ إنَّ أمْثَلَ مَا أنْتُمْ صانِعُونَ أنْ تَسْتَأْجِرُوا الأرْضَ الْبَيْضَاءَ مِنَ السَّنةِ إلَى السَّنَةِ هَذَا التَّعْلِيق وَصله وَكِيع فِي (مُصَنفه) عَن سُفْيَان عَن عبد الْكَرِيم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِن أمثل مَا أَنْتُم صانعون أَن تستأجروا الأَرْض الْبَيْضَاء بِالذَّهَب وَالْفِضَّة. قَوْله: (إِن أمثل) ، أَي: أفضل، وَفِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة حكى جَوَاز ذَلِك عَن سعد بن أبي وَقاص، وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن جُبَير وَسَالم وَعُرْوَة وَمُحَمّد بن مُسلم وَإِبْرَاهِيم وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن، وَحكي جَوَاز ذَلِك عَن رَافع مَرْفُوعا. وَفِي حَدِيث سعيد بن زيد: وأمرنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نكريها بِالذَّهَب وَالْوَرق، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع الصَّحَابَة على جَوَازه، وَقَالَ ابْن بطال: قد ثَبت عَن رَافع مَرْفُوعا أَن كِرَاء الأَرْض بالنقدين جَائِز، وَهُوَ خَاص يقْضِي على الْعَام الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض بِغَيْر اسْتثِْنَاء ذهب وَلَا فضَّة، وَالزَّائِد من الْأَخْبَار أولى أَن يُؤْخَذ بِهِ لِئَلَّا تتعارض الْأَخْبَار فَيسْقط شَيْء مِنْهَا. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد حَدثنَا أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي حُصَيْن عَن مُجَاهِد عَن رَافع بن خديج، قَالَ: نَهَانَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أَمر كَانَ لنا نَافِعًا إِذا كَانَت لِأَحَدِنَا أَرض أَن نعطيها بِبَعْض خراجها أَو بِدَرَاهِم؟ وَقَالَ: إِذا كَانَت لأحدكم أَرض فليمنحها أَخَاهُ أَو ليزرعها. قلت: أَبُو بكر بن عَيَّاش فِيهِ مقَال، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ مُرْسل، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَإِن مُجَاهدًا لم يسمعهُ من رَافع، سقط بَينهمَا ابْن لرافع ابْن خديج كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار أَن مُجَاهدًا قَالَ لطاووس: انْطلق بِنَا إِلَى ابْن رَافع بن خديج فاسمع مِنْهُ الحَدِيث عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن مُجَاهِد، قَالَ: أخذت بيد طَاوُوس حَتَّى أدخلته على ابْن رَافع بن خديج فحدثه عَن أَبِيه، قَالَ شَيخنَا: وَيحْتَمل أَن الَّذِي سقط بَينهمَا أسيد بن ظهير ابْن أخي رَافع، فقد رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة مَنْصُور عَن مُجَاهِد عَن أسيد بن ظهير عَنهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُجَاهِد عَن أسيد بن أبي رَافع.
7432 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيثُ عَن رَبِيعَةَ بنِ أبِي عبدِ الرَّحْمان عنْ حَنْظَلَةَ ابنِ قَيْسٍ عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ حدَّثنِي عَمَّايَ أنَّهُمْ كانُوا يُكْرُونَ الأرْضَ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأرْبِعَاءِ أوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صاحبُ الأرْضِ فنَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ فقُلْتُ لِرَافِعٍ فَكَيْفَ هِيَ بالدِّينَارِ والدِّرْهَمِ فَقَالَ رَافِعٌ لَيْسَ بِها بأسٌ بالدِّينارِ والدِّرْهَمِ. (الحَدِيث 7432 طرفه فِي: 3104) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَالَ رَافع: لَيْسَ بهَا) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن خَالِد بن فروخ. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء: ابْن أبي عبد الرَّحْمَن، واسْمه: فروخ، مولى الْمُنْكَدر بن عبد الله،