أَكثر مُدَّة الْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة، فَقَالَ فِي مَوضِع: سنة، وَقَالَ فِي مَوضِع: إِلَى ثَلَاثِينَ سنة. وَقَالَ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) ؛ وَهَذَا تحكم. وَقَالَ فِي مَوضِع: إِلَى مَا شَاءَ وَبِه قَالَ أَحْمد. وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الِاسْتِحْسَان: إِذا لم يبين الْمدَّة يجوز، وَيَقَع على أول ثَمَر يخرج فِي تِلْكَ السّنة. فَإِن قلت: قد ذكرت الْآن: إِذا لم يبينا الْمدَّة لم يجز، وَهنا نقُول: يجوز؟ قلت: ذَاك قِيَاس وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَيَقَع العقد على أول ثَمَرَة تخرج فِي تِلْكَ السّنة، لِأَن لإدراكها وقتا مَعْلُوما وَإِن تَأَخّر أَو تقدم، فَذَلِك يسير فَلَا يَقع بِسَبَبِهِ الْمُنَازعَة عَادَة، بِخِلَاف الزَّرْع فَإِنَّهُ لَا يجوز بِلَا ذكر الْمدَّة قِيَاسا واستحساناً، لِأَن ابتداءه يخْتَلف كثيرا خَرِيفًا وصيفاً وربيعاً، فَتَقَع الْجَهَالَة فِي الِابْتِدَاء والانتهاء بِنَاء عَلَيْهِ، وَلَو لم تخرج الثَّمَرَة فِي الْمُسَاقَاة فِي أول السّنة الَّتِي وَقع العقد فِيهَا بِدُونِ ذكر الْمدَّة تبطل الْمُسَاقَاة. وَفِي (التَّوْضِيح) : كل من أجَاز الْمُسَاقَاة فَإِنَّهُ أجازها إِلَى أجل مَعْلُوم، إلاَّ مَا ذكر ابْن الْمُنْذر عَن بَعضهم: أَنه يؤول الحَدِيث على جَوَازهَا بِغَيْر أجل، وأئمة الْفَتْوَى على خِلَافه، وَأَنَّهَا لَا تجوز إلاَّ بِأَجل مَعْلُوم. وَقَالَ مَالك: الْأَمر عندنَا فِي النّخل تساقي السنتين وَالثَّلَاث والأربع، والأقل وَالْأَكْثَر،، وأجازها أَصْحَابه فِي عشر سِنِين فَمَا دونهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَإِن قيل: لم ينص ابْن عمر وَلَا غَيره على مُدَّة مَعْلُومَة مِمَّن روى هَذِه الْقِصَّة، فَمن أَيْن لكم اشْتِرَاط الْأَجَل؟ فَالْجَوَاب: أَن الْإِجْمَاع قد انْعَقَد على منع الْإِجَارَة المجهولة. وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أقركم مَا أقره الله) ، لَا يُوجب فَسَاد عقده، وَيُوجب فَسَاد عقد غَيره بعده، لِأَنَّهُ كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي بتقرير الْأَحْكَام ونسخها، فَكَانَ بَقَاء حكمه مَوْقُوفا على تَقْرِير الله تَعَالَى لَهُ، فَإِذا شَرط ذَلِك فِي عقده لم يُوجب فَسَاده، وَلَيْسَ كَذَلِك صورته من غَيره، لِأَن الْأَحْكَام قد ثبتَتْ وتقررت.
وَفِيه: مساقاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على نصف الثَّمر تَقْتَضِي عُمُوم الثَّمر، فَفِيهِ حجَّة لمن أجازها فِي الْأُصُول كلهَا، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز إلاَّ فِي النّخل وَالْكَرم خَاصَّة، وجوزها فِي الْقَدِيم فِي سَائِر الْأَشْجَار المثمرة. وَقَالَ أَصْحَابنَا: تجوز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالشَّجر وَالْكَرم والرطاب وأصول الباذنجان، وَلم يجوز الشَّافِعِي قولا وَاحِدًا فِي الرطاب، وَقَالَ دَاوُد: لَا يجوز إلاَّ فِي النّخل خَاصَّة، وَعَن مَالك: جَوَاز الْمُسَاقَاة فِي المقاثي والبطيخ والباذنجان. وَفِيه: إجلاء عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْيَهُود من الْحجاز، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم عهد من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بقائهم فِي الْحجاز دَائِما، بل كَانَ ذَلِك مَوْقُوفا على مَشِيئَته، وَلما عهد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد مَوته بإخراجهم من جَزِيرَة الْعَرَب، وانتهت النّوبَة إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجهم إِلَى تيماء وأريحاء بِالشَّام.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ، أَي: وجد، وَوَقع من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (يواسي) ، من الْمُسَاوَاة وَهِي الْمُشَاركَة فِي شَيْء بِلَا مُقَابلَة مَال، وَهِي جملَة وَقعت حَالا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
9332 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ مُقاتِل قَالَ أخبرنَا عبدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ عنْ أبِي النَّجاشِيِّ مَوْلَى رافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِع بنَ خَديجِ بنِ رَافِعٍ عنْ عَمِّهِ ظهيرِ بنِ رافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ لَقَدْ نَهانا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أمْرٍ كانَ بِنا رافِقاً قُلْتُ مَا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهْوَ حَقٌّ قَالَ دَعانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ قلْتُ نُؤَاجِرُها علَى الرُّبعِ وعَلى الأوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ والشَّعِيرِ قَالَ لاَ تَفْعَلُوا ازْرَعُوها أوْ أزْرِعُوها أوْ أمْسِكُوها قَالَ رَافِعٌ قُلْتُ سَمعاً وطَاعَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو أزرِعوها) يَعْنِي: أعطوها لغيركم يَزْرَعهَا بِغَيْر أُجْرَة، وَهَذِه هِيَ الْمُوَاسَاة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن مقَاتل، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: أَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، مولى رَافع بن خديج. الْخَامِس: هُوَ رَافع بن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره