(لسَيِّد الأَرْض) ، أَي: مَالِكهَا، جعل الأَرْض كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوك وَأطلق السَّيِّد عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: رَافع بن خديج. قَوْله: (فمما يصاب ذَلِك) ، أَي: فكثيراً مَا يصاب ذَلِك الْبَعْض، أَي: يَقع لَهُ مُصِيبَة وَيصير مؤوفاً فيتلف ذَلِك وَيسلم بَاقِي الأَرْض، وَبِالْعَكْسِ تَارَة، وَهُوَ معنى قَوْله: وَمِمَّا يصاب الأَرْض وَيسلم ذَلِك أَي: الْبَعْض، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فمهما، فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَرِوَايَة الْأَكْثَرين أولى لِأَن: مهما، يسْتَعْمل لأحد معَان ثَلَاثَة: أَحدهَا: يتَضَمَّن معنى الشَّرْط فِيمَا لَا يعقل غير الزَّمَان. وَالثَّانِي: الزَّمَان وَالشّرط، والزمخشري يُنكر ذَلِك. وَالثَّالِث: الِاسْتِفْهَام، وَلَا يُنَاسب مهما هُنَا إلاَّ بالتعسف، يعلم ذَلِك من يتَأَمَّل فِيهِ، وَأما من لَا عَرَبِيَّة لَهُ فَلَا يفهم من ذَلِك شَيْئا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون: مهما، بِمَعْنى: رُبمَا، لِأَن حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام الْبَعْض، سِيمَا، وَمن، التبعضية تناسب: رب، التقليلية، وعَلى هَذَا الِاحْتِمَال لَا يحْتَاج أَن يُقَال: إِن لفظ ذَلِك من بَاب وضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر. قَوْله: (فنهينا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: نهينَا عَن هَذَا الإكراء على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ مُوجب لحرمان أحد الطَّرفَيْنِ، فَيُؤَدِّي إِلَى الْأكل بِالْبَاطِلِ. قَوْله: (وَالْوَرق) ، بِكَسْر الرَّاء هُوَ الْفضة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الْفضة عوض الورث. قَوْله: (فَلم يكن يَوْمئِذٍ) ، يَعْنِي: فَلم يكن الذَّهَب وَالْفِضَّة يكرى بهما، لَا أَن مَعْنَاهُ فَلَيْسَ الذَّهَب وَالْفِضَّة موجودين.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن إكراء الأَرْض بِجُزْء مِنْهَا، أَي: بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا مَنْهِيّ عَنهُ، وَهُوَ مَذْهَب عَطاء وَمُجاهد ومسروق وَالشعْبِيّ وطاووس وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَزفر، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث رَافع ابْن خديج الْمَذْكُور. وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ. حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن يعلى بن حَكِيم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن رَافع بن خديج، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليزرعها أَخَاهُ وَلَا يكريها بِالثُّلثِ وَلَا بِالربعِ وَلَا بِطَعَام مُسَمّى) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل إِلَى آخِره، وَسَيَأْتِي بعد عشرَة أَبْوَاب، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب، قَالَ: سَأَلت عبد الله ابْن مُغفل عَن الْمُزَارعَة، فَقَالَ: أَخْبرنِي ثَابت بن الضَّحَّاك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر بن عبد الله، وَسَيَأْتِي أَيْضا هَذَا بعد أَبْوَاب، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث سَالم: أَن عبد الله ابْن عمر، قَالَ: كنت أعلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الأَرْض تكرى ... الحَدِيث، وَسَيَأْتِي هَذَا أَيْضا بعد أَبْوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَلما كَانَت أَحَادِيث هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة مُخْتَلفَة الْأَلْفَاظ ومتباينة الْمعَانِي كثرت فِيهِ مَذَاهِب النَّاس وأقوال الْعلمَاء. قَالَ أَبُو عمر: لَا يجوز كِرَاء الأَرْض بِشَيْء من الطَّعَام مَأْكُولا كَانَ أَو مشروباً على حَال، لِأَن ذَلِك فِي معنى بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة، وَكَذَلِكَ: لَا يجوز كِرَاء الأَرْض بِشَيْء مِمَّا يخرج مِنْهَا وَإِن لم يكن طَعَاما وَلَا مشروباً سوى الْخشب والقصب والحطب، لِأَنَّهُ فِي معنى المراقبة، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ عَن مَالك وَأَصْحَابه. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف النَّاس فِي منع كِرَاء الأَرْض على الْإِطْلَاق، فَقَالَ بِهِ طَاوُوس وَالْحسن أخذا بِظَاهِر النَّهْي عَن المحاقلة، وفسرها الرَّاوِي بكرَاء الأَرْض، فَأطلق. وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: إِنَّمَا يمْنَع على التَّقْيِيد دون الْإِطْلَاق، وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك، فعندهما أَن كراءها بالجزء لَا يجوز من غير خلاف، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ بعض الصَّحَابَة وَبَعض الْفُقَهَاء بِجَوَازِهِ تَشْبِيها بالقراض، وَأما إكراءها بِالطَّعَامِ مَضْمُونا فِي الذِّمَّة فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ ابْن حزم: وَمِمَّنْ أجَاز إِعْطَاء الأَرْض بِجُزْء مُسَمّى مِمَّا يخرج مِنْهَا: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَسعد وَابْن مَسْعُود وخباب وَحُذَيْفَة ومعاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن مُوسَى وَابْن أبي ليلى وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَابْن الْمُنْذر، وَاخْتلف فِيهَا عَن اللَّيْث، وأجازها أَحْمد وَإِسْحَاق، إلاَّ أَنَّهُمَا قَالَا إِن الْبذر يكون من عِنْد صَاحب الأَرْض، وَإِنَّمَا على الْعَامِل الْبَقر والآلة وَالْعَمَل، وَأَجَازَهُ بعض أَصْحَاب الحَدِيث، وَلم يبال مِمَّن جعل الْبذر مِنْهُمَا.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمُزَارعَة بالشطر، أَي: بِالنِّصْفِ، قَالَ بَعضهم: رَاعى المُصَنّف لفظ: الشّطْر، لوروده فِي الحَدِيث،