دونه مَا أَتَيْتُك، وَلَقَد كُنَّا فِي مدينتكم هَذِه حَتَّى بعث صَاحبكُم، فَلَمَّا نزل عَلَيْهِ آيتان أنفرتانا مِنْهَا، فوقعنا بنصيبين، وَلَا تقرآن فِي بَيت إلاَّ لم يلج فِيهِ الشَّيْطَان ثَلَاثًا، فَإِن خليت سبيلي علمتكهما. قلت: نعم. قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ وخاتمة سُورَة الْبَقَرَة أَمن الرَّسُول إِلَى آخرهَا، فخليت سَبيله ثمَّ غَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأخبره فَإِذا مناديه يُنَادي: أَيْن معَاذ بن جبل؟ فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ لي: مَا فعل أسيرك؟ قلت: عاهدني أَن لَا يعود، وأخبرته بِمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الْخَبيث وَهُوَ كذوب. قَالَ: فَكنت أقرؤهما عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَلَا أجد فِيهِ نُقْصَانا.

وَأما حَدِيث أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقد رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي: حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي حَدثنَا مُبشر عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن عَبدة بن أبي لبَابَة عَن عبد الله ابْن أبي بن كَعْب أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه: كَانَ لَهُ جرن فِيهِ تمر، فَكَانَ يتعاهده فَوَجَدَهُ ينقص، قَالَ: فحرسه ذَات لَيْلَة فَإِذا هُوَ بِدَابَّة شبه الْغُلَام المحتلم، قَالَ: فَسلمت فَرد عَليّ السَّلَام، قَالَ: فَقلت: أَنْت جني أم أنسي؟ قَالَ: جني. قَالَ: قلت: ناولني يدك. قَالَ: فناولني فَإِذا يَده يَد كلب وَشعر كلب، فَقلت: هَكَذَا خلق الْجِنّ؟ قَالَ: لقد علمت الْجِنّ مَا فيهم أَشد مني. قلت: فَمَا حملك على مَا صنعت؟ قَالَ: بَلغنِي أَنَّك رجل تحب الصَّدَقَة فأحببنا أَن نصيب من طَعَامك. قَالَ فَقَالَ لَهُ أبي: فَمَا الَّذِي يجيرنا مِنْكُم؟ قَالَ: هَذِه الْآيَة، آيَة الْكُرْسِيّ، ثمَّ غَدا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الْخَبيث) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم.

وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (فَضَائِل الْقُرْآن) : (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن أبي ليلى عَن أَخِيه عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَنه كَانَت لَهُ سهوة فِيهَا تمر، فَكَانَت تَجِيء فتأخذ مِنْهُ الغول، قَالَ: فَشَكا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إذهب فَإِذا رَأَيْتهَا فَقل: بِسم الله، أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا فَحَلَفت أَن لَا تعود، فأرسلها فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ قَالَ: حَلَفت أَن لَا تعود، فَقَالَ: كذبت وَهِي معاودة للكذب. قَالَ: فَأَخذهَا مرّة أُخْرَى فَحَلَفت أَن لَا تعود، فأرسلها، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ قَالَ: حَلَفت أَن لَا تعود. فَقَالَ: كذبت وَهِي معاودة للكذب، فَأَخذهَا فَقَالَ: مَا أَنا بتاركك حَتَّى أذهب بك إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: إِنِّي ذاكرة لَك شَيْئا، آيَة الْكُرْسِيّ اقرأها فِي بَيْتك فَلَا يقربك شَيْطَان وَلَا غَيره، فجَاء إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ فَأخْبرهُ بِمَا قَالَت. قَالَ: صدقت وَهِي كذوب) ، وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.

وَأما حَدِيث أَبُو سعيد الْأنْصَارِيّ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مَالك بن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه عَن جده أبي أسيد السَّاعِدِيّ الخزرجي، وَله بِئْر فِي الْمَدِينَة، يُقَال لَهَا: بِئْر بضَاعَة، قد بَصق فِيهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهِيَ ينشر بهَا ويتيمن بهَا، قَالَ: فَقطع أَبُو أسيد تمر حَائِطه فَجَعلهَا فِي غرفَة، وَكَانَت الغول تخَالفه إِلَى مشْربَته فتسرق تمره وتفسده عَلَيْهِ، فَشَكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا قَالَ تِلْكَ الغول: يَا أَبَا أسيد، فاستمع عَلَيْهَا، فَإِذا سَمِعت اقتحامها، فَقل: بِسم الله أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت الغول: يَا أَبَا أسيد اعفني أَن تكلفني أَن أذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأعطيك موثقًا من الله أَن لَا أخالفك إِلَى بَيْتك وَلَا أسرق تمرك، وأدلك على آيَة تقرؤها فِي بَيْتك فَلَا تخَالف إِلَى أهلك، وتقرؤها على إنائك وَلَا تكشف غطاءه، فَأعْطَاهُ الموثق الَّذِي رَضِي بِهِ مِنْهَا، فَقَالَت: الْآيَة الَّتِي أدلك عَلَيْهَا آيَة الْكُرْسِيّ، ثمَّ حكت أستها تضرط، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة حَيْثُ ولت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صدقت وَهِي كذوب) .

وَأما حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا، وَفِيه: أَنه خرج إِلَى حَائِطه فَسمع جلبة فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رجل من الْجِنّ: أصابتنا السّنة فَأَرَدْت أَن أُصِيب من ثماركم. قَالَ لَهُ: مَا الَّذِي يعيذنا مِنْكُم؟ قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ.

قَوْله: (جرن) ، بِضَمَّتَيْنِ جمع: جرين، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء، وَهُوَ مَوضِع تحفيف التَّمْر. قَوْله: (سهوة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْوَاو، وَهِي: الطاق فِي الْحَائِط يوضع فِيهَا الشَّيْء، وَقيل: هِيَ الصّفة، وَقيل: المخدع بَين الْبَيْتَيْنِ، وَقيل: هِيَ شَبيه بالرف، وَقيل: بَيت صَغِير كالخزانة الصَّغِيرَة. قَوْله: (الغول) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ شَيْطَان يَأْكُل النَّاس، وَقيل: هُوَ من يَتلون من الْجِنّ. قَوْله: (أَبُو أسيد) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين، واسْمه: مَالك بن ربيعَة. قَوْله: (ينشر بهَا) من النشرة، وَهِي ضرب من الرّقية والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ مسا من الْجِنّ، سميت نشرة لِأَنَّهُ ينشر بهَا عَنهُ مَا خامره من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015