شُعْبَة: سيد أهل الْبَصْرَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: كَانَ من خِيَار النَّاس، سمع الْحسن وَابْن سِيرِين وثابت الْبنانِيّ، روى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة، وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. قَوْله (وَعلي بن عبد الحميد) عطف على مُوسَى، وروى الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا عَليّ بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس، رَضِي الله عَنهُ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ مَوْصُولا من طَرِيقه، وَأخرجه الدَّارمِيّ عَن عَليّ بن عبد الحميد ... الخ، وَهُوَ عَليّ بن عبد الحميد بن مُصعب أَبُو الْحُسَيْن المعني، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر النُّون بعْدهَا يَاء النِّسْبَة، نِسْبَة إِلَى معن بن مَالك بن فهم بن غنم بن دوس. قَالَ الرشاطي: المعني فِي الأزد وَفِي طي وَفِي ربيعَة. فَالَّذِي فِي أَزْد: معن بن مَالك. وَالَّذِي فِي طي: معن بن عتود بن غَسَّان بن سلامان بن نفل بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طي، وَالَّذِي فِي ربيعَة: معن بن زَائِدَة بن عبد اللَّه بن زَائِدَة بن مطر بن شريك. وروى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم، وَقَالا: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: روى عَنهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا، وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. قلت: لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْمُعَلق، وَأما ثَابت الْبنانِيّ فَهُوَ ابْن أسلم، أَبُو حَامِد الْبنانِيّ الْبَصْرِيّ العابد، سمع ابْن الزبير وَابْن عمر وأنساً وَغَيرهم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، روى عَنهُ خلق كثير، وَقَالَ أَحْمد وَيحيى وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وَلَا خلاف فِيهِ. توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة، والبناني: بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنونين، نِسْبَة إِلَى بنانة بطن من قُرَيْش. وَقَالَ الزبير بن بكار: كَانَت بنانة أمة لسعد بن لؤَي حضنت بنيه فنسبوا إِلَيْهَا. وَقَالَ الْخَطِيب: بنانة هم بَنو سعد بن غلب، وَأم سعد بنانة. قَوْله: (بِهَذَا) ، أَشَارَ إِلَى معنى الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَن اللَّفْظ مُخْتَلف فَافْهَم.
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي المناولة، وَهِي فِي اللُّغَة من: ناولته الشَّيْء فتناوله، من النوال. وَهُوَ الْعَطاء. وَفِي اصْطِلَاح الْمُحدثين هِيَ على نَوْعَيْنِ: احدهما: المقرونة بِالْإِجَازَةِ، كَمَا أَن يرفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه مثلا، وَيَقُول: هَذَا سَمَاعي، وأجزت لَك رِوَايَته عني، وَهَذِه حَالَة السماع عِنْد مَالك وَالزهْرِيّ وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، فَيجوز إِطْلَاق: حَدثنَا وَأخْبرنَا فِيهَا، وَالصَّحِيح أَنه منحط عَن دَرَجَته، وَعَلِيهِ أَكثر الْأَئِمَّة، وَالْآخر المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة بِأَن يناوله أصل السماع، كَمَا تقدم، وَلَا يَقُول لَهُ: أجزت لَك الرِّوَايَة عني، وَهَذِه لَا تجوز الرِّوَايَة بهَا على الصَّحِيح، وَمُرَاد البُخَارِيّ من الْبَاب الْقسم الأول. فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق، وَفِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَفِي هَذَا الْبَاب وُجُوه التَّحَمُّل الْمُعْتَبرَة عِنْد الْجُمْهُور، والأبواب الثَّلَاثَة أَنْوَاع شَيْء وَاحِد وَلَا تُوجد مُنَاسبَة أقوى من هَذَا.
وكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ
وَكتاب: بِالْجَرِّ عطف على قَوْله فِي: المناولة، وَالتَّقْدِير: وَمَا يذكر فِي كتاب أهل الْعلم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ الْكتاب يحْتَمل عطفه على المناولة، وعَلى مَا يذكر، قلت: الْفرق بَينهمَا أَن لفظ الْكتاب يكون مجروراً فِي الأول: بِحرف الْجَرّ، وَفِي الثَّانِي: بِالْإِضَافَة، وَالْكتاب هُنَا مصدر وَكلمَة إِلَى، الَّتِي للغاية تتَعَلَّق بِهِ. وَقَوله: (إِلَى الْبلدَانِ) ، فِيهِ حذف، أَي: إِلَى أهل الْبلدَانِ، وَهُوَ جمع بلد، وَهَذَا على سَبِيل الْمِثَال دون الْقَيْد، لِأَن الحكم عَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل الْقرى والصحارى وَغَيرهمَا. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُكَاتبَة هِيَ أَن يكْتب الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب شَيْئا من حَدِيثه، وَهِي أَيْضا نَوْعَانِ: إِحْدَاهمَا: المقرونة بِالْإِجَازَةِ، وَالْأُخْرَى: المتجردة عَنْهَا. وَالْأولَى: فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة شَبيهَة بالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ. وَأما الثَّانِيَة: فَالصَّحِيح الْمَشْهُور فِيهَا أَنَّهَا تجوز الرِّوَايَة بهَا، بِأَن يَقُول: كتب إِلَيّ فلَان قَالَ: حَدثنَا بِكَذَا، وَقَالَ بَعضهم: يجوز حَدثنَا واخبرنا فِيهَا، وَقد سوى البُخَارِيّ الْكِتَابَة المقرونة بِالْإِجَازَةِ بالمناولة، وَرجح قوم المناولة عَلَيْهَا لحُصُول المشافهة بهَا، بِالْإِذْنِ دون الْمُكَاتبَة، وَقد جوز جمَاعَة من القدماء الْأَخْبَار فيهمَا، وَالْأول مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من اشْتِرَاط بَيَان ذَلِك.
وَقَالَ أَنَسٌ: نَسَخَ عُثْمانُ المَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِها إِلَى الآفاقِ.
أنس: هُوَ ابْن مَالك الصَّحَابِيّ، خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعُثْمَان: هُوَ ابْن عَفَّان، أحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، رَضِي الله عَنْهُم، والمصاحف بِفَتْح الْمِيم، جمع مصحف، وَيجوز فِي ميمه الحركات الثَّلَاث عَن ثَعْلَب، قَالَ: الْفَتْح: لُغَة صَحِيحَة فصيحة، وَقَالَ الْفراء: قد استثقلت الْعَرَب الضمة فِي حُرُوف، وكسروا ميمها، وَأَصلهَا الضَّم، من ذَلِك مصحف ومخدع ومطرف ومغزل